مصطفى ملو - جديد انفو / متابعة

وأنت في طريقك من جماعة إكنيون بإقليم تنغير نحو جماعة النقوب بإقليم زاكورة ومباشرة بعد عبور منعرجات “تيزي ن تزازرت” على علو 2300 متر، تنتصب على يمينك جلاميد ضخمة، منتصبة القامة، مرفوعة الهامة، يتراوح علو البارزين والشهيرين منها بين 80 و100 مترا، يعرفان باسم “إد باب ن علي” ويشكلان جزءا من منظر طبيعي، جيولوجي ساحر، يستهوي عشرات السياح من عشاق الجبل والهدوء، الهاربين من صخب المدن وجنونها، حيث يتخذونها منتجعا ينصبون خيامهم على أطرافها كأنهم يلتمسون منها حراستهم من أي مكروه.

يقع هذا الموقع السياحي تحديدا عند مشارف بلدة “أوسديدن” التابعة لجماعة النقوب التي يبعد عنها بحوالي 25 كيلومترا شمالا وعن جماعة إكنيون جنوبا بـ35 كيلومترا، على الطريق الإقليمية رقم 1521.

ويحلو للكثيرين أن يطلقوا عليه تسمية بـ”تكساس المغرب”، لتشابه تضاريسه مع تضاريس تكساس الأمريكية وجارتها غير البعيدة أريزونا، وخاصة قببهما الصخرية المنتشرة على جنبات الطريق السريعة الشهيرة عالميا بالطريق 66.

جمالية المكان لا تختزلها فقط الإبر الصخرية المحيطة به من كل جانب راسمة لوحات طبيعية خلابة، بل أيضا الأسطورة الأغرب من الخيال التي تتحدث عن أصل تسمية هذه المنحوتات الصخرية بهذا الاسم.

وتقول الروايات الشفوية، التي استقيناها من بعض الرحل ممن التقينا بهم في زيارة ميدانية للموقع، إن إحدى العائلات العطاوية المرتحلة التي كانت تستوطن تلك المناطق منتجعة بقطعانها بين الجبل صيفا والسهل شتاء. وكان لهذه العائلة ابن عاق اسمه "علي" لم تحسن تربيته، فخرج عن سيطرتها، وصار عاصيا لأوامرها، متمردا على عاداتها، وكان يتصرف بشكل غريب، ويأتي بأفعال غير تربوية ولا أخلاقية؛ ومنها أنه يلعب بالطعام ويدنسه بالتبول عليه لأنه لم يكن يقدر قيمته.

ولأن الطعام “عزيز عند الله” كما الروح، وعقابا له، فقد أصابته اللعنة ومسخ صخرة هي إحدى الكتلتين الصخريتين الواقفتين في ذات الموقع. وأما توأمها التي توجد إلى جانبها فتجسد-حسب الأسطورة- والديه اللذين أهملا تربيته، فكان جزاؤهما المسخ كذلك. أما باقي التشكيلات الصخرية المنتشرة حاوليهما، فتمثل باقي أفراد “أهل علي” أو ”الأوصياء على علي” أو “ولاة أمره” التي يمكن ترجمتها إلى الأمازيغية بـ”إد باب ن علي”، الذين لم يسلموا بدورهم من التشويه والتحويل إلى صخور واقفة؛ بل إن قطعان العائلة وكل حيواناتها وأثاثها وممتلكاتها تحولت هي الأخرى إلى أصابع صخرية في “إبادة جماعية ” أو ”مسخ جماعي” دفع الجميع ثمنه، ”جناة” و”أبرياء” !

هذه الرواية هي نفسها التي أدلى لنا بها يدير شكري، الفاعل الجمعوي وأحد أبناء المنطقة المهتمين بتاريخها وتراثها؛ ما يعني أن هذه الأسطورة إرث محلي ينقله الأحفاد عن الأجداد وتحكيه العجائز للصبيان مع بعض الاختلافات الطفيفة من شخص إلى آخر والتي لا تفسد من جوهرها الذي هو المسخ والعقاب شيئا.

ويضيف شكري “أن هذه الأسطورة أخذت عبر الزمن تفسيرات دينية إسلامية، تقول بأن العقاب الإلهي أصاب تلك العائلة نتيجة إفطارها العلني في أحد أيام رمضان”؛ وهو ما لم نسمعه من المستجوبين، ولكن الأمر الذي لا خلاف فيه في هذه الأسطورة هو أن المسخ لم يكن نتيجة سحر أو عمل شعوذة حسدا وغيرة، إنما هو عقاب رباني للاعتبار وتقويم الاعوجاج، وهي الميزة التي تميز الكثير من أساطير المسخ والتحول المنتشرة في الجنوب الشرقي المغربي.

وعلى ذكر الروايات المتداولة عن “إد باب ن علي”، هناك رواية طريفة تقول إن أحد المرشدين السياحيين عندما سأله سياح عن أصل هذه التسمية، وحتى ُيذهب الحرج عنه وكي لا يظهر أمامهم بمظهر الجاهل وغير الملم بمجاله، فقد ترجمها لهم ترجمة غريبة عجيبة قائلا إنها تعني : Les portes de Ali Baba ولم يبق له سوى أن يصف باقي التشكيلات الصخرية بالأربعة والأربعين لصا !

سعيا منهم إلى تخليد هذه المعلمة السياحية الطبيعية والتعريف بها وتثمينها, دأب بعض شباب النقوب على تنظيم ”مارتون إد باب ن علي”، الذي تكون انطلاقته على مقربة من هذا الموقع السياحي الساحر، وصل السنة الماضية دورته الثالثة ضمن فعاليات وأنشطة مهرجان القصبات الذي ينظم بالنقوب التي يوجد بها مقهى يحمل اسم هذه المعلمة الطبيعية إضافة إلى مأوى سياحي بالقرب منها بنفس الاسم. 

وشهد هذا الموقع، في فبراير الماضي، إجراء النسخة الأولى لـ”ترايل صاغرو Saghro Trail ” من تنظيم العداء العالمي السابق لحسن أحنصال، طفل الرحل ونجم الصحراء كما يوصف.

إن أهمية هذا الموقع لا تقتصر على ما هو سياحي، بل تتعداه إلى ما هو تاريخي أنثربولوجي، مثيولوجي، سينمائي، إذ إن مصائب ”قوم علي” يمكن أن تكون لها، إلى جانب الفوائد السياحية، فوائد سينمائية؛ فهذه الأسطورة وحدها تستحق أن تكون مصدر إلهام وتتحول إلى سيناريو لفيلم خيالي يكون مسرح أحداثه “إد باب ن علي”، مما سيشكل فاتحة لآفاق سينمائية واعدة على هذا الموقع.