زايد جرو - الرشيدية / جديد انفو (الصورة بعدسة عبد الصمد طعام )

الحاسي أو' أنو ' او' تانوت ' تصغيرا باللغة الامازيغية او البئر عموما هو ' فتحة عميقة تحفرها الساكنة للوصول إلى جوف الأرض ليستَخرج منها سائلا، وآبار الماء هي الأكثر شيوعًا وتداولا ، حيث تخزن المياه الجوفية التي تأتي من الأمطار او الثلوج حتى تصل الأسفل ،والماء فيها قد يكون قريبا من السطح في الاماكن الرطبة وقد يكون على عمق كبير في الأماكن الجافة.

ارتبط لفظ 'الحاسي ' بجهة درعة تافيلالت بالمنفعة العامة وغالبا ما يكون ملتصقا بالمسجد وتستفيد من مائه المالح او الحلو ساكنة القصر في كل الأوقات ،ولا يجوز للرجال حسب العرف الجماعي ان يختلطوا بالنساء اثناء التزود بالماء ،ففي الضحى وبعد صلاة العصر للنساء وفي الصباح الباكر او بعد المغرب فهو للرجال احتراما للمرأة ولمكانتها .

الكثير من الشباب يدخلون المسجد وما نيتهم في اقامة الصلاة ابدا، وقد يلجونه خارج اوقاتها لسماع بعض حديث النساء خلسة يوم كانت الحشمة آلية من اليات الضبط الاجتماعي وسلوك قويم في التربية والتنشئة الاجتماعية ويخرجون من المسجد ويلتفتون يمينا او يسارا علّ العين تظفر بلمحة عين خاطفة من جسد امرأة وهي تمسك حبل الدلو ليستمتع بها ذاك الشاب ويعيش على وقعها تخيلا لأيام وتحيي فيه رجولته في انتظار الزواج بعد صيام جنسي طويل...اما اذا أكثر احدهم من الذهاب والاياب فقد تثير حركاته فضول الاخريات اللواتي تنتظرن ' دورهن في السقي ' فيغدو مثار استخفاف منهن وقد يصل الخبر للأب الذي لن يرضى ان تكون في ابنه خصلة وقاحة فيكون التأنيب شديدا والعقاب عسيرا امام اعين اخوانه دون اخواته حتى لا تتكرر الإساءة منهم جميعا آنا او مستقبلا.

وحكايات الحاسي أو آنو او البئر لا تنتهي في التراث والادب وقد تتكلل احيانا بزواج او استئجار او بإبداع من الغزل في فن الشعر او فن الملحون او الغناء الشعبي ،وللأسف لم يحظ 'البئر ' كموروث مادي بمكانة عالية مثل موروث الخطارات ولم يحظ بدراسات معمقة او ببحوث جامعية كموروث ثقافي اجتماعي شعبي بجهة درعة تافيلالت وهو نداء للدكاترة والاساتذة في الكليات والجامعات من اجل الاشتغال على ثقافة البئر بالجنوب الشرقي وبالبوادي المغربية بدل الاشتغال في ابحاث الدكتورة والماستر على ثقافة وموروث المشارقة.

ما اثار انتباهي كثيرا بقصر 'مزكيدة 'التاريخي بالريصاني بإقليم الرشيدية ان بالبلدة ابارا ثلاثة واحد بالمدخل وهو خاص بالغرباء ومطاياهم والذين لا حق لهم ان يتجاوزوا المدخل الرئيسي والبئر الثاني الخاص باهل القصر الملتصق بالجامع او المسجد، و البئر الثالث وهو الخاص باليهود ' يهود مزكيدة ' اي الذين استوطنوا القصر الى جانب العرب والشرفاء والامازيغ ولهم دربهم الخاص يسمى ب ' درب ليهود ' ومازال لحد الساعة يحمل هذا الاسم بعدما رحلوا عنه وباعوا منازلهم في زمن العودة...حاسي ' ليهود' بالقصر حسب رواية الساكنة التي تروي تفاصيلها وتفاصيل التعايش السلمي معهم حتى الآن كان خاصا بهم ولا يسقون من ماء البئر الجماعي لأهل القصر، الا اذا نضبت مياه بئرهم، واحتراما للمسلمين فان اليهوديات تنتظرن احد المارة من ساكنة القصر ليملأ 'قلتها ' دون ان تتجرأ على مس حبل الدلو احتراما لا خوفا ، وذاك نوع من التعاقد الاخلاقي بينهم وبين باقي الساكنة .

حفر البئر بالجنوب الشرقي يكون تطوعا ودون مقابل، وفي حفره او ' جهره ' حين تنضب مياهه اجر كبير وتتسابق الساكنة على فعل هذا الخير لغرس قيم التضامن ونقلها بالتجربة للأجيال اللاحقة ليستمر الفعل الخيّر دون انقطاع ، وبالبئر ارتبطت حكايات عديدة منها ان الجن يرتوي منه ليلا لذلك يقل التوافد عليه بعد صلاة المغرب ، ومنها ايضا ان من باع ' فدانه ' وبه بئر فقد باع البئر ولم يبع مياهه وحين وصل النزاع للقضاة حكموا على البائع بحمل مائه لأنه لا يحق له الاحتفاظ بمائه فيه بعد البيع ،او عليه ان يدفع المقابل للاحتفاظ بالماء فيه، كما ارتبط البئر بفن الغناء وبرع في ذلك فنانون كثر وارتبطت شهرتهم بالبئر ومرجعياته الثقاقية الشعبية المتداولة.