زايد جرو- الرشيدية / جديد انفو

من العادات المتأصلة في ثقافة الأعراس والأفراح  عند قبائل آيت خباش بكل تخوم الصحراء  بالجنوب الشرقي  أكلة " تِيْنِي دْ وودي " المكونة من التمر المعجون  والتي تُقَدّم  للضيوف  في طابق  من  سعف النخيل  " تِشِيشْت  "  من صنع  نساء تافيلالت  والذي لا يتعدى ثمنه عشرة دراهم  ، التمر المعجون  يكون مصحوبا ، ب "تاحْوارتْ" او "جبانية "  أو" تازلافت " مملوءة بسائل السمن المعتق القديم  " وودي " ذي لون شديد الاحمرار ، وكلما كان لونه قاتم السواد كلما كثر الحديث عن جودته  وتناقل  خبر لذته المدعوون  والتي لا تنسى على مر السنين .

'وودي ' المعتق كما عاينته  وشاهدته  بأمي عيني يوضع في زير تم شراؤه خصيصا من سوق ايت تْفِيلالت بالريصاني ، وبعد أن  يُطبخ الزبد ب ' تقنوشت 'مع القليل من التوابل الحارة تحت حرارة مفرطة ب ' الكانون ' التقليدي يصفى  من " أسيخ ' و يوضع في الزير ،ويغلق  بإحكام  بخرقة نقية و' يُمَلّسُّ ' الفم بالطين حتى لا يدخله الهواء والغبار والحشرات  ويوضع في بيت مظلم  لا تدخله  إلا ' تامغارت 'والتي لا تمنح مفاتيحه لاحد بل تعلقه في حزامها المستور ،وذاك من خصوصيتها التي لا تتقاسم اسرارها الا مع 'امغار' خلسة بعيدا عن تجسس العرائس والأبناء او حين يطيب سمرهما  ليلا  والله يعلم وحده تحاورهما..

السمن المعتق  درجاته متفاوتة  واجوده  ما كان  مشتقا  من  زبد " المعز " ثم  الابقار ثم الشياه  ولم يسبق لي ان رأيته مصنوعا من لبن النوق  لصعوبة استخراج الزبد من اللبن ولا تخلو خيمة من خيام الرحل منه ومن  ' تكليلت ' ايضا وهي المصنوعة من اللبن الذي يُنَقى من الماء ويجفف ، ويخبأ  لزمن لاحق  عندما تجود الماشية بتوفر العشب والكلأ  في الصحراء .

التمر ايضا يجب ان يكون معجونا،  والعجن قديما كان بالأرجل  ويكون  ذاك التمر جيدا اذا كان من  اصل "بوفقوس "  حيث تبدو من بعيد  صفراء كالذهب ويتهافت عليها الآكلون في شكل دائري ،وذاك حسب الوضع الاقتصادي والاجتماعي  للأسر،  والضرورة تقتضي ان يكون التمر " ملحما " يقل فيه ' إغْسان"  أو' العلف ' ، اما اذا كثر فذاك دليل  على ان التمر المعجون كان من تمر رقيق ورديء واردأه ما كان من  تمر بوسليخن.

عملية اكل الوجبة يكون بتنقية قطعة من التمر المعجون  على شكل دائري بحفرة في الوسط لكي يتم ملأها بالسمن وتمد اليد ل تاحوارت او تزلافت وتغطس في السمن وتمتلئ الحفرة الصغيرة به ويتم  اكلها وقد سبق لي شخصيا ان جربتها مرة فتلوت امعائي وحسب خبراء ايت خباش فقد وجدت في بطني " غِشا ' وارى عكس ذلك لان معدتي لا تتحمل الذهنيات واهل الطب والاختصاص ادرى بذلك .

الدعوة في الاعراس عند  ايت خباش قديما  تقام بشكل جماعي وتوضع الخيام في مكان واحد وكل يتكفل بمدعويه وقت الغذاء او العشاء ويلتقي الجميع في الخيمة المخصصة للفرح والدعوة لا تكون لشخص واحد  بل يتم الاخبار بالعرس والجميع  مدعو لمدة ثلاثة ايام وقد يحضر الاعراس غير المدعوين الاجانب  لان العرس للجميع واين طاب لك الاكل فلا حرج على أحد و دون حساب ولا عين منكسرة بحضور الغريب وتلك مميزات وخصال ايت خباش بالجنوب الشرقي .

وبعد اكل التمر واودي في الضحى  يتزاحم المولعون باحيدوس   فتسمع من بعيد الحناجر الجميلة التي أزال السمن بحتها فيطنطن  احيدوس  اقبور في اذنيك على نغمات  ' اينزا ' او"تلونت " رغم ان الخبراء في العادات يوصون بعدم التعرض لأشعة الشمس بعد أكله وتنتظر اليوم الموالي بشغف  لتكرار أكله ، أما الذين في بطونهم  عيب فهم لا يستطيعون شم رائحته ولو من بعيد .

هي عادات اصيلة في اعراس ايت خباش وقد تُمنح الوجبة  في العقيقة وتقل  في العزاء لان اكلها مرتبط بالفرح ،ولا يحس بقيمة هذه الوجبة الا من اكلها او دار بدائرة الاكلين فيسمع ' تحنحين " من اعناق الاكلين لان الحنجرات ربما جُرحت  باحيدوس الذي يستمر بالليل والنهار وحين يمر السمن بهذه التجاويف تسمع اصواتا مختلفة انغامها وربما قد  يتبعها  اسهال حاد وعيب كل عيب ان تبوح بالمرض ساعة الفرح عند قبائل ايت خباش فلا مكان للألم في اوساطهم وكم من امرأة تم تطليقها لأنها كثيرة المرض أو تنام كثيرا او لا تحترم امغار وتمغارت  وتبقى أكلة ' تِيْنِي  دْ وُودي'  من الخصائص المتفردة في وجبات الأعراس والافراح عند قبائل آيت خباش بالجنوب الشرقي.