الصديق الصادقي العماري* - ارفود / جديد انفو

كتاب ' الدماغ واللغة : التمثلات الذهنية والمعالجة المعجمية- مقاربة سيكولسانية ونورومعرفية ديداكتيكية'، لمؤلفته الدكتورة 'نعيمة بعلاوي'، هو عبارة عن رسالة دكتوراه، نوقشت بجامعة سيدي محمد بن عبد الله، كلية الآداب والعلوم الإنسانية سايس-فاس سنة 2018. ويعد هذا الكتاب من الدراسات الجادة الحديثة والفريدة من نوعها موضوعا ومنهجا وأسلوبا، لأنه يرتكز على ظاهرتين متلازمتين غالبا في جميع الأنشطة والممارسات الإنسانية هما ̎الدماغ̎ و̎اللغة̎، وكذلك آليات اشتغالهما، خاصة ما يتعلق بالتمثلات الذهنية وسبل المعالجة المعجمية، من زاوية نظر مخالفة لمعظم الدراسات والإنتاجات العلمية التي اهتمت بهذا الموضوع لحد الآن.

إن ما يميز هذه الدراسة القيمة هو استنجاد الدكتورة نعيمة بمناهج منفتحة ومتكاملة، بدء بالمنهج الوصفي التحليلي من أجل تعرية الظاهرة المدروسة وتحديد مكوناتها وعناصرها وتفكيك شفراتها، عبر الملاحظة والتحليل والتفسير للتمكن من صياغة تعميمات شافية مقيدة بالمتغيرات العلمية المقترحة، إضافة إلى الجانب الميداني من صلب الممارسة باعتماد المقابلات والاستمارات وتفريغها في جداول محكمة وتحليلها للوصول إلى استنتاجات وتوصيات علمية رصينة.

الدكتورة نعيمة بعلاوي حاولت من خلال هذا العمل الجاد إبراز إشكال محوري قلما يُتناول في علوم اللغة، بالتركيز على تفكيك وتحليل وتوضيح آليات وسبل الانتقال من دراسة اللغة باعتبارها نسقا من الأجزاء الفاعلة في تكامل بنيوي ووظيفي، إلى دراسة اللغة باعتبارها سياقات ومسارات ذهنية غامضة. وفي إطار هذا التحول نكون أمام انتقال يفرض نفسه، وهو الانتقال من اللسانيات الطبيعية إلى اللسانيات المعرفية، وبالتالي يندرج هذا العمل ضمن اللسانيات المعرفية، ويتأسس على مقاربات عدة كالبيولوجية والنفسية والثقافية والحاسوبية والتربوية...، وهذا يظهر من صلب الإشكال العميق لهذا الكتاب باعتباره يناقش طبيعة المعارف وكيفية تمثلها من طرف الأفراد وسيرورة تنظيمها ومعالجتها على مستوى الذهن.

وما يزيد هذا العمل قيمة علمية أكثر كونه ركز على مناقشة متغيري المعجم الذهني والذاكرة المعجمية، وهنا تطرح صعوبة دراسة المفردات خاصة في جانبيها الوظيفي والهندسي وسبل المعالجة على مستوى الإدراك والفهم والإنجاز وكل السياقات اللغوية عند المتعلم خاصة. ومن هذا المنطلق عملت الدكتورة نعيمة على فتح آفاق وسبل اشتغال المعجم في علاقته بالقدرة على الاكتساب اللغوي، من أجل تنظيم وتطوير الأفكار والمعلومات المكتسبة على مستوى الذهن، وبالتالي تنمية الملكة اللغوية.

هذا العمل المتميز يثير إشكالات عميقة وقضايا معرفية علمية جديرة بالبحث والتحليل، فهو في عمقه يتجاوز المألوف ويركب موجة التجريب الخلاق، كما يخالف قاعدة التأليف من أجل التأليف، وبهذا يعطي للدكتورة نعيمة بعلاوي صفة العلمية بامتياز، كما أنه يفتح آفاقا رحبة أمام الباحثين والمهووسين باقتفاء أثر الحرف والسؤال.

وتحظى مجلة كراسات تربوية، المجلة العلمية المحكمة، بشرف احتضان هذا الكتاب ضمن سلسلة منشوراتها، لأنها رأت فيه قيمة مضافة للعلم والمعرفة، حيث يتماشى موضوعا ومنهجا مع سياسة النشر الخاصة بها، وباعتباره أحد الأعمال التي تستفز أذهان وأفكار متتبعيها وقرئها من داخل المملكة المغربية ومن خارجها.

*مدير ورئيس تحرير مجلة كراسات تربوية.