زايد جرو - الرشيدية /جديد انفو

"حْمِينْ ولد لَعميش" كما تحتفظ به ذاكرة ساكنة أرفود، وجه من الوجوه التراثية المحلية التي سجلت حضورها بقوة بالساحة الكبرى، أو "لكْرونْد بْلاسْ" كما هو متداول بين الجميع حتى الآن، ذِكْرُ اسمه  يثير نوعا من ردود الفعل المتباينة : القبول ،الرفض، التأسف، الخوف، الحكمة، وكلها مشاعر نجد لها تفسيرات وتأويلات في سلوكياته اليومية مع الناس في الشارع ،ومع الباعة وأرباب المقاهي، و التجار، و حتى داخل المؤسسات العمومية، أو الشبه العمومية، ولا يجب الاستخفاف بأقواله أو أفعاله، لأنها  تصدر من أعقل العقلاء  خلاف المعتقد.. فهو الرجل  الطويل النحيل، الذي يلبس الجلباب الأبيض في معظم الأيام ولو علته الأتربة والأوساخ، وجه أسمر، وبعيب  في يده اليمنى، يحترم  معارفه كثيرا، لأنه من القصور المجاورة للمدينة، يمشي حافي القدمين، ويسرع في مشيته، وحين يستريح قليلا تحت ظل شجر " تْلاَيْ" تسمع له شخيرا خفيفا  لكن نومه خفيف، حيث يأخذ الحيطة حتى في نومه، لأنه لا يقبل الإهانة وينتقم بنفسه لنفسه، ويصوب الحجارة بدقة عالية  بيده اليسرى، ولا تخطئ رميته أو تزيغ عن الهدف إلا لماما، ويخاف الجميع أن تصيبهم ضربته حين ينادونه ب " ولد لَعْميش "  ،ولا يقلل العفة على النساء، ولم يُسمع عنه اعتداء على امرأة كعب،أو حلوب، حسب الرواة الذين اعتمدتهم في تحرير نوسطالجيا حْمين، وويل لمن تطاول ونسي من يكون ولد لعميش .

 نشأ وكبر بضواحي أرفود، وليس في لقبه أو حسبه عيب، الأب والأسرة ارتبطت بالأرض والحقول ،بين النخيل والزيتون ،نمت فيه العظمة وازدادت كثيرا ،واعتبروه تافها مغرورا  في كل عمل يُباشره، وأدركوا فيه سر الضعف دون اهتمام بما يُقال في الأمثال المتداولة بما مفاده: أن الضعف قد يكون في الجسم السليم ،وأن القوة قد تكون في الجسم العليل، وأن للصحة محنتها ،كما أن للمرض محنته، وَفاتَهم أن النار لا تعطي لونا أزرق ،إلا حين يزداد احمرارها ، ورب ضارة  نافعة ،وكم من حجرة أطلقها  حْمِين  على  أعدائه فأرهبت المتطفلين والمتطاولين والعهدة على الرواة.

ترى الرجل يستيقظ  مبكرا  حيث كان يعشق الصباح ...ويتجه صوب مقهى المرحوم  "بَّا المحجوب "المعروف بكرمه وإطعامه للتلاميذ  الوافدين من القصور المجاورة أو البعيدة  مجانا سواء كانوا من اوفوس ،أوالجرف أوالريصاني  ومرزوكة  ... غضب  حمين ذات يوم حين سمع "البرّاح "بالساحة الكبرى ينادي: " وَا  لا اله إلا الله، ما تسمعوا غير الخير إن شاء الله ،كَالكوم ْ القايد ،راه اللي طْلَع ل "بليكوس"  ما يلوم إلا راسو ،لأنكم تتصدعوا السواح"  حنق حمين حنقا شديدا ،وربما أحس ب "الحَكْرة "، فكيف يصعد "السواح" للجبل ،وأهل المكان  يحرمون منه ...غافل حمين كل السفاحين ، ومر من وراء المقبرة ،وقضى النهار كله فوق الجبل حتى المساء ونزل، ولما رأى القايد ممتاز (ن) مارا بسيارته السوداء النقية البهية ، رونو 16 ،نادى القائد بصوته الجهوري  قائلا " واسي القايد حْشاها  لْكْ حمين ،راه من صْبَاحْ وأنا فوق لبليكوس " وهي رسالة منه في التحدي والتهكم لكل الذين يمثلون سلطة المخزن في السبعينيات، ومن ثمة أتت العبارة المشهورة المأثورة الكثيرة التداول في الثقافة الشعبية بتافيلالت العالمة " حشاها لك حمين"...  بل انتقلت  العبارة وصاحبت كل الفلاليين في تواصلهم بجميع جهات المغرب ،دون آن يدري الكثير ما  دلالة العبارة ولا مقامها ولا مصدرها ولا شحنتها التاريخية.

لم يكن "حمين " يستسيغ أن يكون له منافس بمدينة أرفود، وكان يقلقه  نِدّه  الملقب ب طوطو" الزين" الذي كان يملك فدادين  باهظة الثمن   بالقرب من الإقامة الملكية بارفود  والذي كان يشعل النار  في أعواد النجارة  للتدفئة بالقواس قرب قهوة الموح ،والذي كانت له حكايات مع لالة رقية داخل السوق حيث ارتمى عليها وفوقها عنفا  ذات يوم لإشباع غريزته  وامتنع النهوض ،وتدخل المارة  لضربه للفكاك  منها، لكنه عبد ملحاح، وغطوهما بالحصيرة ،ونادت المرحومة  لا لة رقية :«خلّيوْه ...خليوه انتما غير مْكاريه » والعهدة على الرواة ...،فحين يلتقي حمين وطوطو تشتعل النيران والضرب  والجرح واللكم ،وويل لمن اقترب من العراك ،حيث كان الزين منافسا قوي البنية،  ولا يقبل "حمين " النحيل والطويل الانهزام  واستمرت العداوة  طويلا بينهما أطول من زمن الحرب الباردة العالمية حتى انتقل الاثنان  لجوار ربهما .

قاوم  حمين الزمن بشراسة ، كم مرة زاره أهله بالحلم نائما أو يقظا ،و رأى بلدته تزهر خضرة  وماء سلسبيلا يسيل ،ففهِم جيدا  في الحلم لغة الحرية كما يفهمها الحالمون ، وفهم لغة القهر أيضا كما يفهمها المقهورون والغاضبون،تابع الصمت والكلام والمشي وتصويب الحجارة ،ولم يفقد القدرة على الحلم  .. يتدخل الناس أحيانا لتهدئة غضبه ويهدأ برهة ،ويتأمل وجوههم ويراقبهم بقلق، وما يلبث أن يبتسم  وينصرف لأن الحدث ذكره بعظمته ذ ات يوم . ...

وداعا... يا "حمين " نم ولا تنقلب في منامك ، وفارق أحلامك ،فما تركت غير اللوم واللئام....نم قرب هؤلاء النائمين في اليابسة ، واستَغْن ِعن رسائلك ....واطرح أشلاءك....ومدد هامتك  واسترح بعد تعب الحياة  ،فمن سبقك في الزمان الجريح  من أمثال :  ابي العلاء ،والمتنبي ،وبشار، وأبو حيان التوحيدي،وحنظلة المشوك الرأس   لم يكن  أحد منهم أوفر حظا منك في العيش، فحول حبك ل  الله  ، فما الإنسان إلا  قصبة  وما هو  إلا كائن غدر ، وما الحياة إلا مسكنة  وقذارة  وغرور....رحمة الله الواسعة عليك وعلى زميلك في العراك " الزين " وتبقي عبارة" حْشَاها لْك حمين " خالدة  على مر الأزمان والأحقاب.