زايد جرو - الرشيدية / جديد انفو

العطّار شخصية يتردد اسمها بين كل الناس الذين شبوا بين حضن القصور العتيقة أو ما يسمى بالأمازيغية ب :(إغرمان ) بالسفوح الجنوبية ،أوالشرقية لجبال الأطلس وهو أيضا شخصية مرتبطة، بالوسط القروي ،في جميع أنحاء المغرب ،إلا أن سمته وأحواله وأخلاقه، قد تختلف من مكان لآخر. ولا يمكن الحديث عنه دون أن تختلج القارئ حالات نفسية مختلفة، وانطباعات متباينة، حول هذا الشخص الذي يبدو غريبا لأول مرة ،و بتردده على الأمكنة فيصبح أليفا، مألوفا، ولا يشكل خطرا على النساء، والصبيان والعجزة، رغم أنه كل الخطر....يمتطي دابته من جنس البغال أو الحمير القوية، تحمل فوق ظهورها ما يسمى ب( أشواري ) فيه الذرر الغالية والأشياء النفيسة،التي يحتاج إليها أهل القصر أوإيغرم ، وفي بعض الحالات يسير على قدميه،حاملا ما يسمى ب:(تاخنشيت)أو (تازياوت ) حسب اختلاف المناطق في التسميات ، تراه النساء فتتجمعن من حوله ،فيُعجب بالدور ،فيفتح عينا ،ويغلق أخرى تعبيرا عن البراءة،أو تقربا بمن حوله . يحلو له أن يتحدث عن الملابس الداخلية للنساء ، وحين يخلو الجمع من أي شاب أو رجل، يفتح أشياء مستورة ،لا يريها إلا للواتي في نفوسهن أغراض : لباس تحتية مكشوفة، بها يتقرب للحديث عن الجمال فيحلو له السمر، والتشبيب، ومس الأيادي،والاحتكاك بالأطراف، عله يظفر بلمسة يعيش على وقعها وأثرها طول النهار، رغم أنه طاعن في السن في غالب الأحيان، وربما ترك أم العيال، في البيت تنتظر العجوز المتشبّب، يجد العطار لذة لا تعادلها لذة في كلام الهمس والمسامرة ، والنساء بدورهن تتغامزن ، وتجدن في ذلك فرصة لأخذ بعض المبيعات بالمجان أو اختلاس بعضها عندما يشح الزمان ،وتضيق الأحوال أو حين يرفض أن يبيع سلعته بمقايضتها بقدح من التمر أو بقدح من علفها.. ..يتبضع الكل ويسوق العطار دابته إلى مكان آخر، وحين يعسعس الليل فطعامه مضمون من جود أهل البلد ،يربط دابته بجانبه، يشعل النار وقت القر ينام نوما عميقا، متلفعا في جلباب أشد سوادا من الليل وسط كثبان من الدخان و الغبار ..يتلصص الشبان يطوفون حوله لاختلاس بعض مبيعاته ، وهو في نوم عميق يسمع رجع نعسه من مكان بعيد ، رأسه الغليظ والثقيل فوق أقرابه خوفا على محصول يومه .... يظفر الشبان بقطع من الحلوى ذات السمك الرقيق جدا ، والحلاوة فيها غير معتادة في حلاوة الحلويات ، فربما يمتص سيدنا العطار رحيقها عندما لا يجود أهل البلد بكأس من الشاي، فاختلطت الحلاوة بسائل لعابه، ورغم ذلك فهي لذيذة ،لأنها حلويات الصبيان ، فيعود لبيعها لهم في النهار مع (الحمص) اليابس الذي عششت فيه الديدان، والسواك الذي امتلأ غبارا والكحل الأسود الذي لم يعد أسود، حيث اشتكت منه عيون بعض النساء اللواتي أصبن برمد العين ....وأشياء أخرى تصلح للطبخ من توابل تختلف أنواعها وأصنافها وأشياء أحبها وتحبها لأن سلعة العطار متنوعة، وعالمه محفوف بالمخاطر، فكم من مرة استخدم في المخابرات والتجسس وبيع الأسلحة للمقاومين زمن التحرير، وكم منهم كان بائع مخدرات... ...تراه يجول الدروب كأنه يصف تصاريف حاله ويقلب نظره مبديا شكواه وبلواه: أحيانا بالمقت ، وأحيانا بالفرحة. حين يشهد النعمة، وينعم بالكرامة، يترع قلبه بالإيقان والاطمئنان فيشتاق لقاء زبنائه وزبوناته بأذن صاغية، وعين جاحظة، قانعة ،بالرضى وبالشكر الذي تدوم بهما النعم. .. وأحيانا يلوم نفسه وتؤنبه قدماه على الدوران وإتعاب دابته ،ويرتدع قلبه فيضيق به الفضاء ويتراجع فيقنع نفسه بترديد ما ردده الكتاب والأدباء بطريقته الخاصة فيقول :ألم يقل الأولون بأن الذكر قد يخونه النسيان ،وأن العشق قد يشعثه السلو، وأن القلب قد يكدره الريب ،فالعين قد تتعب من البكاء، والعز قد ينتهي بالذل، والقول قد يٌعاب بالتكرار من خداع الحال وتعذر المنال ....أحيانا أخرى تراه يردد دعاء فيما معناه :اللهمّ عرج بنا إلى جنابك ،واستصلحنا لخدمتك وارحم فقرنا في غنانا، ولذّذنا بطاعتك ،واجعلنا ممن إذا قال صدق، وإذا عمل حقق وإذا سار أعنق وإذا ملك أعتق يا ذا الجلال والإكرام...... إن شخصية العطار حقيقة شخصية مرحة غنية بالتنكيت والكلام الغريب لكثرة معاشرته الناس وسماع أقوالهم، وخير للناس أن يسافروا ويتجولوا ففي السفر عدة فوائد تفرّج هم واكتساب معيشة وعلم وآداب وصحبة ماجد

وفي التنقل فوائد أخرى في الزمن الحاضر، يعرفها الناس جميعا لكن ،احذر أيها المسافر من الغريب والغرباء ومن العطار ومن( تعطّارت) بتاء التأنيث، أما كلمة (تعطّارت نّك ) بإضافة نون وكاف ،ففيها ما فيها من المعاني المستفيضة في الثقافة الأمازيغية ،لا يعرفها إلا المتمكن المتذوق ،والعالم بأسرار اللغة وثقافتها.

إن الحذر واجب من كل غريب ومن كل سفر، فليس كل من سافر فاز بما يرضاه ،ولا كل من رقد حلم بما يريد، ولا كل من مد يده نال ما يطلب، ولا كل من قرع الباب دخل ،ولا كل من خطب زوج .....ففي الغيب عجائب وفي العجائب أيضا عجائب ...