هشام العايدي - الرشيدية / جديد انفو

ونحن على أبواب الامتحانات، وبالنظر للضغوط التي تمليها هذه الأخيرة ليس فقط على التلاميذ بل وعلى أسرهم، وباستحضار الظرفية الحالية، ظرفية كوفيد19 بسلالاته المتحورة، فإن الأمر يزيد الطين بلة مما يعزز مشاعر التوتر والقلق التي يمكن أن تعتري التلاميذ خلال هذة الفترة من السنة؛ فما عوامل القلق؟ وما هي الحدود الفاصلة بين القلق الطبيعي والقلق المرضي؟ وكيف يمكن التغلب على مشاعر القلق الذي يعتري التلاميذ خلال هذه الفترة؟

إن الحديث عن القلق يجعلنا نقف على مجموعة من المفاهيم التي تعبر عن الأشكال التي يأخذها القلق كالخوف والضغط والتوتر… وهو في الواقع رد فعل طبيعي اتجاه الأخطار المهددة للإنسان لجعله يتفادى هذه الأخطار. بحيث يعطي في هذه الحالة الطاقة للإنسان ويضفي على سلوكياته دينامية. فقلق الإنسان حركيته وحياته، وإنسان غير قلق ليس بإنسان، بشرط أن يكون هذا القلق مباشرا تجاه موضوع ما، ومعروف سببه، وأن يكون مؤقتا. وفي هذه الحالة نستحضر أن هناك مجموعة من الأشخاص لا يشتغلون إلا تحت الضغط. وهو ما يجعل القلق في هذا المستوى يأخذ طابعا إيجابيا حيث يحفز الأفراد/التلاميذ على العمل ويجعلهم يتعاملون بجدية أكثر تجاه ما يجب عليهم إنجازه. لكن حين يصبح هذا القلق غير مباشر، أي قلق لا يعرف سببه أو ليس له سبب موضوعي بحيث ينتج عن مجموعة من العوامل كالتحليل الخاطئ للمعلومات والمبالغة في التأويل والتهويل، في هذه الحالة نكون أمام نوع من القلق المرضي والذي يمكن أن يهدد الإنسان في توازنه النفسي والاجتماعي. فالقلق عموما موجه بفكرتين أساسيين تستحوذان على الفرد وهما: "هناك مشكلة أو خطر يهددني"، و "لا أستطيع تجاوز هذه المشكلة أو هذا الخطر".

وعلى ضوء ذلك يمكن أن نفسر القلق وانطلاقا من المقاربة المعرفية - علم النفس المعرفي- التي ترى أن انفعالات الناس وسلوكاتهم هي نتيجة لأفكارهم وطريقة إدراكهم للواقع، وليست نتيجة لأحداث معينة. فالتفكير هو الأساس بحيث تسبق الأفكار الانفعالات وتشكلها. فلا تكون الأحداث والوقائع إلا مناسبات لتنشيط تلك الأفكار. فالمشكل ليس في الحدث في حد ذاته، بل في طريقة إدراك الحدث. فنفس الحدث يمكن أن يكون مصدر قلق بالنسبة لشخص ما، ومصدر حزن ومعاناة لشخص آخر، ومدعاة للفرح بالنسبة لآخر…

 فالمحدد الجوهري بالنسبة لهذه الانفعالات ليس هو الحدث، بل طريقة تفكير الأفراد في ذلك الحدث. وإذا ما طبقنا هذه المبادئ على قلق الإمتحان، سنجد أن حقيقة المشكل ليست في الإمتحان في حد ذاته كحدث، بل في طريقة تفكيرنا في الإمتحان والتي تنهل من التمثلات السلبية السائدة حول الإمتحانات، وحول ذواتنا. فالأفكار السلبية تولد انفعالات سلبية، وهذه بدورها تؤثر على السلوكات و الاستجابات الفيزيولوجية (تنفس سريع، نبض عال، تعرق…) مما يؤدي إلى ترسيخ تلك الأفكار في حلقة سلبية مفرغة يدور فيها الفرد/التلميذ، ولا تجعله يتعامل مع الواقع بشكل صحيح. فالأفكار غير السليمة حول الإمتحان ستتولد عنها بالضرورة انفعالات غير سليمة، ولم لا ردود أفعال وسلوكات غير سليمة. وبالتالي التدخل يجب أن يكون على مستوى تلك الأفكار بتعليم صاحبها كيفية التفكير العقلاني لتجاوز الأفكار غير السليمة والتمثلات السلبية التي تؤثر على إدراك الفرد/التلميذ للإمتحان ولذاته، وفهمه للواقع بشكل عام. وهذا ما يسمى بإعادة البناء المعرفي للفرد. وبالتالي فالفرد/التلميذ هو المسؤول عن قلقه، وهو القادر على تجاوزه باستحضار الأفكار الكامنة وراء قلقه، وإعادة بناءها من جديد.

لكن على العموم، ولتجنب قلق الإمتحان وضعيات القلق بشكل عام والمرتبط بالأفكار والتمثلات السلبية ليس فقط حول الوقائع والأحداث بما فيها الإمتحانات، بل حول ذواتنا كذلك، فلابد من الأشغال على الذات عبر سيرورة زمنية متوسطة المدى مستحضرين البراديغم المعرفي السابق تحليله، ومدعوما بمجموعة من الإجراءات هي على الشكل التالي:

1 - إعرف نقط قوتك واستغلها، فإنجاز الفرد يأتي فقط من قوته بحيث لا يمكن بناء الإنجاز على الضعف.

2- سجل إنجازاتك وتأملها، فقوتك تنبع من سجل حافل بالإنجازات لا يقبل الجدل؛

3- تجنب حديث النفس السام وفجر طاقتك بمحاورة الذات إيجابيا. فحوار الإنسان إيجابيا مع نفسه يساعده على حل مشاكله وعلى تحسين مزاجه، والتركيز أكثر.

4- طور معارفك ومهاراتك باستمرار، فذلك سيساعدك على التحكم في مشاعرك، والحفاظ على هدوء أعصابك. وتذكر أن من يخسر التحكم في أعصابه يخسر قضيته.

5- قتنع ذاتيا بما تعمل، فإيمانك ويقينك بما تسعى لتحقيق يزيد ثقتك بنفسك.

وفي حالة ما غالبك القلق ولو في فترة إنجاز الإمتحان، فما عليك إلا أخذ إستراحة قصيرة وممارسة التنفس العميق وستتمكن من تجاوز الظرفية.

كانت هذه إذن محاولة للإحاطة بعوامل القلق وبعض سبل تجاوزه، لكن - ولكي لا نبيع الوهم- تبقى هذه السبل والآليات غير قابلة للتطبيق الآلي، وذات نتائج آنية، بل تحتاج إلى عمل يجب إنجازه على مستوى - على الأقل- متوسط المدى. وفي حالة ما وجدت صعوبات وتفاقمت الحالة فما عليك إلا استشارة مختص في المجال.