أحمد بيضي - خنيفرة / جديد أنفو
تميز "يونيو الثقافي" بخنبفرة باللقاء المفتوح الذي نظمته جمعية الأنصار للثقافة مع الروائي والباحث عبدالإله حبيبي حول الفقرات المعتمة من حياته وتجربته الروائية، وقد شهد فضاء اللقاء بغرفة التجارة والصناعة حضورا وازنا لمتتبعي الشأن المحلي والثقافي، وللفعاليات الجمعوية والفكرية والتربوية، ولأصدقاء كاتب رواية "بيوس طفل الحكمة والطقوس" الذين انتقلوا لهذا المكان بغاية اكتشاف ما وراء صديقهم من فواصل وأزمنة ولحظات غير مدونة في ذاكرتهم، وكان بحق حدثا ثقافيا فيه الجمعية بضيفها "كاتبا وابنا من أبناء الهامش الأطلسي المنيع"، حسبما كتب على حائطه الفايسبوكي، وزاد واصفا إياه بمثابة "احتفاء جندت له الجمعية كل صدقها وحبها وبساطتها حتى تجعل منه حدثا ثقافيا صنع الفرح والكلام والغناء الجميل"، وأكد على أن ذلك أعاد له الثقة بالعمل الجمعوي الذي لما يكون وراءه رجال صادقين يكون قادرا على اختراق كل الموانع وتحدي كل الإحباطات.
اللقاء افتتح بكلمة ترحيبية لرئيس الجمعية المضيفة، عزيز ملوكي، الذي وضع الحضور في سؤال الاحتفاء بالضيف انطلاقا من شعار الحدث: "الإبداع المحلي دعامة للإبداع الوطني" معتبرا إياه نشاطا ثقافيا بنكهة إبداعية لوطن في العينين، وكيف أن سعادة جمعيته تكمن في مزاوجة القصة والموسيقى والرواية، في إشارة منه إلى سيرة الجمعية التي عززت المشهد الثقافي للمدينة بمهرجانها الوطني للقصة القصيرة، وباستضافتها لفنانين وشعراء من كل الأطياف والألوان، وإبرازها للوجه الإبداعي للعاصمة الزيانية وطاقاتها المحلية، ولم يفت رئيس الجمعية بالتالي الإشارة للشطر الثاني من اللقاء حيث الاحتفاء بالأغنية الشبابية ببرمجتها للقاء تواصلي مع الفنان نور الدين فرح.
جمعية الأنصار للثقافة اختارت ذ. مصطفى التاودي لتقديم شهادته في حق "ضيف اللقاء" عبدالإله حبيبي، حيث استطاع النبش عميقا في أربعين سنة من العلاقة بهذا الإنسان، عابرا أهم المحطات من سنوات الطفولة، والدراسة بالسلكين الإعدادي والثانوي، ليتوقف بحديثه عن حبيبي المناضل التلاميذي وسط الإضرابات التاريخية، و"المشاغب" الذي استضافته مخافر الشرطة، قبل وصوله لمرحلة الدراسة الجامعية وأيام ظهر المهراز و"الأوطم" والصراع بين الفصائل ومادة الفلسفة.
وكم توقف التاودي بالحديث عن حبيبي المناضل الاتحادي الذي لم يرتد في زمن الردة، والممارس لمهنة التعليم والتأطير التربوي، ثم الباحث الذي يتقن فن الحوار والتواصل الفكري والسياسي، وكذلك المؤطر لمادة الفلسفة الذي يعود له الفضل في اقتراح تخصيص يوم وطني للفلسفة الذي أصبح فيما بعد تقليدا سنويا، كما هو الروائي صاحب رواية "بيوس طفل الحكمة والطقوس" التي اعتبرها التاودي بمثابة مرآة لجيل كامل ولأمكنة وأزمنة لها دلالتها.
القاص عبد الله المتقي، حضر اللقاء بشغبه الإبداعي المعروف، حيث تمكن من "استنطاق" ضيف اللقاء عبدالإله حبيبي بطريقة ممتعة، انطلاقا من تحليله لاسم الضيف المشتق من الحب الذي اعتبره أسمى شعور في حياة الإنسان، ليدخل في مساءلة هذا الضيف وجها لوجه حول حياته وحبه الأول وتشكلاته عن بلدة مريرت وطقوسه في الكتابة الروائية، حيث لم يكن من عبدالإله حبيبي غير التجلد بالشفافية والتلقائية والصدق في الأجوبة.
أما عن سؤال ما إذا وقع في الحب يوما، اكتفى عبدالإله حبيبي بالقول "إن من جرب الكتابة فهي الأنوثة في داخل الإنسان، لأن من يكتب يلد ويتخلى عن شخصه وكل السلط"، مضيفا أننا "عندما نتحدث عن الحب نكون ذلك الكائن الهش، سيما الحب الذي يثير البكاء والقريب من الحريق"، أما حول تشكلاته عن بلدته مريرت، فأسرع قائلا بأن هذه البلدة قاطنة على الدوام في مخيلته، وأجمل ما قدمته له هذه البلدة هو الزقاق الذي كبر فيه وحكايات مناجم عوام والحياة التي جمعت التنوعات البشرية بكل عاداتها وتقاليدها، حيث "لم تكن أية كولسة على القيم"، فاتحا ذاكرته من جديد على الأزقة القديمة والجبل كمكان للحرية والانعزال، ليسبح عميقا في الأيام الماضية، ورحلته من البيت الطيني بمريرت إلى حياة البيت الاسمنتي، عندما لم يكتمل حلم الطفولة بسبب الظروف التي أرغمته على الرحيل لمتابعة الدراسة بالثانوي.
وتحدث عبدالإله حبيبي عن روايته "نحيب الأزقة الحمراء" التي هي قيد الطبع، وكيف تمكن السرد والحكي من التصالح في سيرته الذاتية، وكشف بالتالي عن معنى توظيفه لبعض نبضات المدينة، وتاريخ موجة الاعتقال السياسي التي اجتاحت هذه المدينة خلال سبعينيات القرن الماضي، ومحمد رويشة فنان الثورة والأنس، والحصار الذي ظل مضروبا على ذات المدينة إلى حين إلحاقها بالحياة المغربية، وكم كان حبيبي جريئا في الكشف عن الحيرة التي وقع فيها وهو يكتب، الحيرة ما بين الصراحة والوقاحة، ليلجأ إلى تطويع كتاباته حتى تكون "خجولة" أمام القارئ وأن تكون وسطية دون مزايدات فيها لا على الأخلاق ولا البطولة.
ولم يفت عبد الإله حبيبي توديع اللقاء بكلمة مؤثرة عبر فيها عن أمله بأن تحط الحروب أوزارها وإنهاء العنف والقتل في العالم مقابل إنتاج الخطاب الذي بإنتاجه تصمت المدافع وتمتد طاولات الحوار، كما على الكتابة الإبداعية أن تقوم بدورها في إشاعة الدفء، وهي الكلمة التي جعلت القاص عبدالله المتقي "يباغث" ضيف اللقاء ب "ماذا يتهم حبيبي نفسه بنفسه؟" والأخر يجيبه ببساطة فلسفية هادئة "الجبن"، وكرر العبارة بأنه يتهم نفسه بذلك.
رئيس جمعية الأنصار للثقافة، عزيز ملوكي، أبى إلا أن يشارك بقيثارته في أداء أغنية "أحن إلى خبز أمي" لمارسيل خليفة، مهداة منه لروح والدة ضيف اللقاء، عبدالإله حبيبي، التي وافتها المنية مؤخرا، ووقف لها الحاضرون دقيقة ترحم، قبل استضافة الفنان نورالدين فرح في حوار تواصلي كفنان اشتهر بصوته الجذاب في مجال الإنشاد والسماع الديني، والذي قدمه القاص حميد ركاطة في جو حواري شيق سلط فيها الضوء على بداياته كفنان حقق مكانته في عالم الإنشاد من خلال تأثره بمجموعة من المشايخ والفنانين الكبار في لون الإنشاد الصوفي والمديح الديني، إلى حين قام بتأسيس مجموعته التي حملت اسمه، كما كشف عن ظروف تشبعه بقواعد هذا اللون الفني عن طريق البحث والدراسة، وعلى هامش اللقاء تم حفل توقيع الألبوم الغنائي (نور) لهذا الفنان، والمتضمن لستة أناشيد غنائية، ليسدل الستار على اللقاء الثقافي بتوزيع هدايا وشهادات تقديرية على ضيوفه.

