احمد صدقي -تنغير /جديد انفو 

يحتفل العالم في الثاني من فبراير كل سنة باليوم الدولي للمناطق الرطبة وذلك تخليدا لذكرى عقد اتفاقية رامسر الخاصة بهذه الأوساط (2 فبراير 1971) , ذكرى تحل هذه السنة ووضعية هذه المناطق في تدهور تفاقم مستمرين تحت ضغط عوامل عديدة يحتل فيها العامل البشري حيزا كبيرا.

بداية لابد من الإشارة إلى أن المناطق الرطبة هي عبارة عن أوساط انتقالية ووسيطة بين الأوساط المائية الصرفة والأوساط القارية الصرفة وتعرف بثلاث مواصفات أساسية وهي وجود المياه وتربة مشبعة بالماء ونباتات تستحمل المياه وعموما فهي أراضي تغمرها المياه بشكل مستمر أو مؤقت تكون راكدة أو جارية وتكون مياها عذبة أو ملحة ونجد ضمنها البحيرات والمستنقعات والسبخات ومجاري الأنهار الواحية والدلتات والشعب المرجانية وغيرها... تكون طبيعية أو اصطناعية مثل بحيرات السدود والأحواض الخاصة بتربية الأحياء.

 المناطق الرطبة تشكل 6 ٪ من مساحة اليابسة وهي أراضي ذات خصوبة كبيرة وتمثل مأوى ومحضنا للتنوع البيولوجي الحيواني والنباتي حيث تحتضن 30٪ من الأنواع الناذرة والمهددة وتعمل على امتصاص المياه وتخزينها مع تطعيم الفرشاة الباطنية و تساعد على تحسين جودة تلك المياه بامتصاص العديد من الملوثات خصوصا منها الازوتية كما ان هذه الأوساط تمكن أيضا من كسر قوة الفيضانات والسيول والحد من مفعولها ألانجرافي .

هذا و تلعب ايضا دورا كبيرا في تخزين الكربون والتخفيف من تركيزه في الجو سواء بما تقبره تربة هذه الأوساط من كميات كبيرة من الكاربون ( نسبة 30٪) او بما تمتصه نباتاتها من ثنائي اوكسيد الكاربون من خلال عملية التركيب الضوئي الذي يكون نشيطا وبمنسوب كبير في مثل هذه المناطق ثم أنها تساهم بشكل كبير في شروط التكيف مع تداعيات التغير المناخي بخزن كميات من المياه تكون قابلة للاسترجاع في فترات الخصاص المائي و أيضا مع التخفيف من آثار هذه الظواهر المناخية القصوى, منها الفيضانات والجفاف وغيرها . كل هذا مع عدم إغفال دور هذه المناطق في توفير مواقع للسياحة والترفيه قابلة للاستغلال وفق شروط الاستدامة المطلوبة.

  في المقابل تواجه هذه المناطق تحديات عديدة وتتعرض لمخاطر عديدة خصوصا بفعل تدخلات الإنسان وأنشطته المسببة للتلوث واستنزاف مواردها واستغلالها للتوسع العمراني و للأغراض الزراعية والغابوية أو بإطلاق مشاريع استثمارية أو مشاريع تهيئة لا تأخذ بعين الاعتبار خصوصيات هذه الأوساط ولا الأبعاد البيئية المطلوبة. كما أنها تتعرض بدرجة كبيرة لتداعيات العديد من الظواهر الطبيعية خصوصا منها الجفاف والتملح وتداعيات التغير المناخي بشكل العام. وبفعل كل هذه الضغوط فان الأوساط الرطبة تتراجع وتندثر بوثيرة تضاعف ثلاث مرات وثيرة اندثار الغابات حيث بين 1970 و 2015 تراجعت مساحة هذه المناطق بمقدار 35٪ . كل هذا مع تسجيل ضعف الإمكانيات المسخرة لإنقاذها والمحافظة عليها رغم أن تكلفة المحافظة عليها اقل خمس مرات من تكلفة فقدانها كما تشير الدراسات.

المغرب انخرط في اتفاقية رمسار بالتوقيع والمصادقة على نصها منذ سنة 1980 وهي اتفاقية تلزم الدول الأطراف بالحفاظ على هذه الأوساط وباستغلالها المعقلن مع إقرار سياسات وطنية تمضي في ذلك الاتجاه وبرامج تمكن من جرد مواقعها ومتابعتها وتكثيف أنشطة البحث والتكوين والتحسيس مع إعداد تصاميم للتدبير المندمج تخصها.

  في أخر تحيين للوائح رمسارالصادر يوم فاتح فبراير 2024 نجد بلادنا تحتفظ ومنذ 2019 بنفس العدد من المواقع المعلنة والمعتمدة من لدن هذه الاتفاقية وهو 38 موقعا يمتد على مساحة إجمالية تناهز 316 ألف هكتار وهو ما يعتبر ضئيلا بالنظر إلى كون بلادنا تتوفر على المساحة الأكبر والعدد الأكبر من هذه المواقع بشمال إفريقيا وهو البلد الذي يحتل المرتبة الثانية من حيث التنوع البيولوجي على صعيد حوض المتوسط بعد تركيا والمغرب يتوفر على 160 موقعا ذي أهمية بيولوجية وايكولوجية معترف بها, هذا مع الإشارة إلى كون بعض المواقع المعلنة سابقا لم تتم المحافظة عليها بالشكل المطلوب ويكفي هنا أن نذكر بالموقع المصنف بإقليم الرشيدية في حوض تافيلالت والمسجل منذ 2005 والذي يعتبر من اكبر المواقع المغربية الواردة في لائحة رمسار بمساحة تناهز 65000 هكتار ولكنه مع الأسف نجده حاليا في حالة تدهور و اجتفاف كبيرين بفعل تراجع الموارد المائية بها والاستنزاف الذي تتعرض له هذه الموارد بسبب الاستثمارات الفلاحية المتنامية بمحاذاة هذا الموقع .

  إن الإرهاصات والتداعيات الجدية للتغير المناخي أخذت تعمق من طبيعة التحديات التي تواجهها هذه الأوساط مما يتطلب تكثيف الجهود لمجابهتها , أوساط تعتبر جزءا من النظام المناخي وتلعب دورا كبيرا في التخفيف من آثار المخاطر المناخية ولكنها تعتبر بنفسها ضحية وعرضة لها.

  ومما ينبغي التركيز عليه بهذا الخصوص هو إعادة النظر في وضعية المواقع المعلنة سابقا و في أشكال تدبيرها لتصحيح التدخلات غير الفعالة مع إقرار تدابير جدية للحفاظ عليها من سوء الاستغلال ومن ذلك ما يتم من سوء استغلال المياه الجوفية على مستواها أو على هوامشها خصوصا من خلال برامج الاستثمار الفلاحي التي لا تأخذ بعين الاعتبار قواعد الحفاظ على الاشتراطات البيئية هذا مع تفعيل الترسانة القانونية الوطنية الكافية بردع كل السلوكات المخلة بذلك ومن تلك الترسانة نذكر قانون الماء 36-15 وقانون التقييم البيئي 49-17 ونصوص أخرى. كما انه يتوجب على بلادنا حسن استثمار المزايا المالية والتقنية للاتفاقيات التي كانت سباقة في التوقيع عليها خصوصا اتفافقيات "ريو" الثلاثة والخاصة بالتنوع البيولوجي ومحاربة التصحر ومجابهة تدهور التنوع البيولوجي والتي لها علاقة وطيدة بموضوع الأوساط الرطبة.

 هذا دون إغفال أهمية تفعيل آليات التوعية والتحسيس للحفاظ على هذه الأوساط والتنبيه إلى المخاطر الكبيرة التي تتعرض لها في ظل تفاقم الإشكال المناخي وأهمية اتخاذ الاحتياطات اللازمة لدرء تلك المخاطر وتجنبها.