زهور الأمغاري - جديد انفو
تُسلط نتائج الباكالوريا في المملكة الضوء على تحدي التوجيه الجامعي الذي يواجه التلاميذ وأسرهم، حيث يعاني المتبارون من ضعف آليات التوجيه، مما يدفعهم مع أسرهم إلى السعي لاستغلال كل فرصة لاجتياز مباريات الولوج إلى الكليات والمدارس العليا.
ويزيد تقارب مواعيد هذه المباريات وتزامنها أحيانًا، إلى جانب تباعد مواقعها الجغرافية، من الأعباء المادية والبدنية والنفسية التي تتحملها الأسر والتلاميذ، ما يجعل هذه المرحلة أكثر تعقيدًا وإرهاقًا.
وتبرز جهة درعة تافيلالت نموذجًا واضحًا لهذه الإشكالية، حيث يضطر التلاميذ إلى التنقل المتكرر والسريع بين مدن متباعدة لاجتياز مباريات متتالية خلال أيام قليلة، بدءا من الراشيدية مرورا بالرباط وأكادير ومراكش، وصولا إلى مدن أخرى.
وهذا الوضع يطرح إشكالية جدية حول مدى تحقيق العدالة المجالية وتكافؤ الفرص في الولوج إلى التعليم العالي، ويستدعي مراجعة شاملة لمساطر برمجة المباريات بما يراعي خصوصيات كل جهة ويخفف من المعاناة الواقعية للتلاميذ.
♦برمجة مجحفة ومُنهكة
حذر عبد الله السوهير، رئيس الجمعيات التنموية بواحات الجنوب الشرقي، من خطورة التزاحم الزمني الحاصل في برمجة مباريات الولوج إلى مؤسسات التعليم العالي، معتبرا أن الأمر لا يضر فقط بمصلحة التلاميذ، بل يضرب جوهر مبدأ العدالة المجالية ويكرّس التهميش المؤسساتي الذي تعانيه جهة درعة تافيلالت منذ سنوات.
وأوضح السوهير أن طلبة الجهة يخوضون حاليا سباقا مرهقا مع الوقت، وسط اختناقات زمنية حادة، إذ لا تمر 24 ساعة بين امتحان وآخر، وهو ما يجعلهم في حالة إنهاك نفسي وجسدي شديد، مرفوق بتكاليف تنقل باهظة، في غياب تام لأي دعم مؤسساتي أو مراعاة للوضعية الجغرافية والاجتماعية لهذه المناطق.
وساق الفاعل الجمعوي مثالًا صارخًا من هذا العام، حيث اعتبر من غير المنطقي أن يُجبر التلاميذ الحاصلون على الباكالوريا بجهة درعة تافيلالت على اجتياز مباراة ولوج كلية الطب بالراشيدية يوم 19 يوليوز 2025، ثم التنقل مباشرة إلى الرباط لخوض مباراة معهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة في اليوم الموالي، ومنها إلى أكادير لاجتياز مباراة المدرسة الوطنية للتجارة والتسيير يوم 21، ثم إلى مراكش للمشاركة في مباراة المدرسة الوطنية للعلوم التطبيقية يوم 22، وبعدها إلى مكناس أو الدار البيضاء أو الرباط لاجتياز مباراة المدرسة الوطنية العليا للفنون والمهن يوم 23 من نفس الشهر.
وأكد أن المشكلة تتعدى صعوبات التنقل لتشمل ضغطًا نفسيًا كبيرًا واضطرابًا في التركيز، خاصة مع اضطرار التلاميذ للسفر لمسافات تتجاوز 700 كيلومتر، مضيفا أنه لا يتم التحدث هنا عن رفاهية، بل عن الحد الأدنى من الإنصاف في فرص الولوج إلى التعليم.
وأشار إلى أن هذا النوع من البرمجة العشوائية يحرم تلميذ المناطق النائية من فرصة اجتياز جميع المباريات التي يستحقها، ويدفعه إلى الاختيار تحت الضغط، متنازلًا عن إمكانيات قد تكون الأنسب له من الناحية الأكاديمية، ومعتبرا أن المنظومة الحالية تُقصي منذ البداية كل من لا يعيش في الرباط أو الدار البيضاء أو فاس.
♦غياب العدالة المجالية
وجه السوهير انتقادًا حادًا لغياب العدالة المجالية، مبرزًا أن جهة درعة تافيلالت لا تنال نصيبها من الإنصاف، سواء في البنيات التحتية أو في أبسط القرارات التدبيرية، وحتى في توزيع الفرص التعليمية، موضحا أن مبدأ تكافؤ الفرص يكاد يكون غائبًا تمامًا، وأن أبناء الجهة يُعاملون كأنهم خارج حسابات السياسات العمومية.
في السياق ذاته، أكد السوهير أن درعة تافيلالت تُعد من أغنى الجهات من حيث الموارد الطبيعية، لكنها الأكثر تهميشاً من حيث التنمية البشرية، وهو ما ينعكس بوضوح في نسب الفقر الرسمية المرتفعة، وفي مؤشرات الهشاشة التي تُسجل على كافة المستويات، معتبرا أن هذا التناقض يعكس غياب الإرادة السياسية الحقيقية لتغيير الأوضاع.
واضاف أن الجهات المسؤولة، وفي مقدمتها وزارة التعليم العالي، تتعاطى مع ملف المباريات بمنطق إداري بارد، دون أي اعتبار لخصوصية الجهة أو لمعاناة أبنائها. وتساءل باستغراب عن سبب غياب التنسيق الوطني العادل في برمجة هذه المباريات، ولماذا لا يُؤخذ التلميذ القادم من الريصاني أو تنغير أو بومالن دادس بعين الاعتبار، رغم أنه مواطن مغربي كباقي أقرانه.
وتوقف السوهير عند الأعباء النفسية والمادية التي تلاحق أسر التلاميذ خلال هذه المرحلة، مشيراً إلى أن الأسرة تتحمل نفقات التنقل، الإقامة، والمبيت، وغالبًا في ظروف صعبة، مع ارتفاع مهول في الطلب على وسائل النقل، خصوصاً الحافلات وسيارات الأجرة، إضافة إلى الاكتظاظ وقلة الخيارات.
أما على المستوى النفسي، فرأى المتحدث أن التلميذ الذي يقطع مسافة 700 كيلومتر لا يمكن أن يكون في نفس الوضع الذهني لتلميذ يتوجه إلى مركز الامتحان سيرًا على قدميه، مضوحا أن هذا الفرق ينعكس مباشرة على الأداء، ويقلص بشكل واضح من فرص النجاح الفعلي.
♦حلول غائبة وتقصير جماعي
وفي هذا السياق، عبّر السوهير عن استغرابه من غياب تنسيق مؤسساتي حقيقي، متسائلًا عن سبب إصرار الدولة على إرغام التلاميذ على التنقل بدل اعتماد مقاربة تقرب الإدارة من المواطن. واعتبر أن تنظيم المباريات محليًا، خاصة تلك التي لا تتطلب اختبارات تقنية دقيقة، أمر ممكن وواقعي.
واستدل المتحدث بتجربة الأقسام التحضيرية التي تُجرى امتحاناتها في مراكز جهوية تحت إشراف مركزي، ومتسائلًا عن سبب عدم تعميم هذا النموذج، كما دعا إلى استثمار الإمكانيات اللوجستيكية للجماعات المحلية خلال فترات المباريات، من خلال توفير وسائل النقل والمبيت للتلاميذ، على غرار ما يُعتمد أحيانًا في تنظيم الانتخابات أو بعض المباريات الإدارية.
وبخصوص دور المجتمع المدني، أقر السوهير بوجود تقصير جماعي، مؤكداً أنه رغم الحوارات الإعلامية والمداخلات التوعوية التي شارك فيها، لم تُوجّه أي مراسلات رسمية إلى الوزارات المعنية من طرف جمعيات الجهة، ومعتبرا أن هذا النقص في الفعل الترافعي يجب أن يُعالَج بشكل مستعجل.
وانتقد السوهير طريقة إعداد برمجة المباريات، معتبراً أن المسؤولين المعنيين ينشغلون بإتمام مهامهم الإدارية في أسرع وقت، دون الالتفات إلى الانعكاسات الخطيرة على مستقبل الآلاف من التلاميذ، مذكرا بأن التلميذ ليس مجرد ملف إداري يجب تصريفه، بل هو ركيزة للاستثمار الوطني، ما يستوجب تدبيرا عقلانيا وقرارات منصفة تضع مصلحته في صلب الاهتمام.
وخلص السوهير بالتأكيد على أن ما يجري ليس مجرد خلل في البرمجة، بل يمثل شكلا من الإقصاء الممنهج الذي يفرز تلاميذ محبطين، ويزيد من اتساع فجوة الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة، وداعيا إلى مراجعة شاملة لمساطر تنظيم المباريات، ترتكز على العدالة المجالية، وتجعل مصلحة التلميذ، كل التلاميذ، في صلب السياسات العمومية.
المصدر: شفاف