زايد جرو - إفران / جديد أنفو
الخيل في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، وعلموا أبناءكم السباحة والرماية وركوب الخيل، هما حديثان في متنهما دلالات روحية عميقة منذ ضحى الإسلام، وتتأكد فعاليتهما ومغزاهما من خلال الخدمات التي قدمها الفرس للإنسان منذ الأزل في التنقل والحمل و الحرب والسلم، و هو للتباهي وعلو الهمة والشان، مربضه بأعتاب البيوت فيه عُدة وعِدة ، بتربيته تبوأ السلاطين والأمراء وأعيان القبائل والشعراء المكانة العالية، وبركوبه كسبوا ود العامة والخاصة، يعرف الإخلاص كرا وفرا، إقبالا وإدبارا، ويلقن الدروس لكل البرية في المعاشرة والوفاء، روضه المروضون بسهولة وبكل اللغات، وعلموه متى يحرك القوائم رقصا، ومتى يرفع الرأس رفعة، ومتى ينحني تواضعا، ومتى يموت تمثيلا، يدرك بالفراسة الصاحب المخلص الشجاع، والعدو الخائن الجبان، وعلى رؤوس الأبطال المكلومة في الوغى يحبس الأنفاس ويكتم الغيظ وهو كظيم، وغيرها من الخلال التي تربى عليها الطين، حين كسا الخز جسمه فتباهى، و حين حوى المال كيسه فتمرد فنسي أنه طين، فمال بوجهه عن أخيه كأنه الفرقد أو الشمس التي إذا طلت احتشمت لطلعتها الكواكب فاختفت.
وفي زيارة سياحية خفيفة لضواحي إفران استرعى انتباهي فرس بياضه أشد وهامته أقوم، هو البدر حين يكتمل بسرج ألوانه أمازيغية زاهية باهية، كأنه عريس زينته أمه لليلة العمر، اقتربتُ منه منكسرا كما ينكسر كل الناس أمام سلطة الجمال والجبروت، توقفت متمتما مبتسما، فحييته وصاحبه بالقول " أزول" فرد الصاحب التحية بأحسن منها بالقول" أزول أومازيغ" وحياني الفرس بهزة الرأس عزا فاطمأنا لسلامي، وكم كان عجبي أشد حين علمت من الصاحب الناطق كلاما بان الفرس يستجيب حسا وحركيا للغة الأمازيغية، فخاطب الشاب الأبكم بما معناه الوقوف على القائمتين الخلفيتين، ولم يبخس القول فاستجاب، وغنى له مقطوعة الرعاة الغابوية فرقص، وقال انحنِ ففعل، فقلت هو أمازيغي الأصل والتربية، قال طبعا ما في ذاك شك، فقلت جرب فعلك بالعربية لأعلم هل هو قومجي أو أمازيغي حر، فخاطبه: قف؟ فلم يستجب، وغنى له بالعربية فلم يستجب، ولم يتملكني الحال فقلت : هو فرس أبكم، حافظُ لتراث أمته ومخلص لأصله ولغته، فعجبت من الذين لهم رغبة أكيدة في محو وسحق تاريخ أمازيغي بالنسيان أو بالتجاهل والنكران في أرض معظم سكانها وحيواناتها وجبالها وواحاتها وأشجارها تنطق أمازيغية على أرض فيها ما يستحق الحياة حسا وحركة وانفعالا ووطنية. ولله في خلقه شؤون.