زايد جرو – أصيلة / جديد انفو
كنت أخطط للنوم قليلا بعد الظهيرة يوم السبت بمدينة أصيلة لأنتزع بعض ما بقي من نعاس الليلة الماضية التي قضيتها بحثا عن التميز في المهجران الدولي، الذي تم افتتاحه يوم الجمعة من أمراء البحرين بمكان يشع بضياء المصابيح التي ترسم تفاصيل المارين بكل جلاء، وبفضاء هادئ لا وجه من وجوه المغرب العميق فيه يمكن أن تقرأ عليك حتى السلام دون أن أظفر بالمراد .
خططت للنوم ثانية حيث لا صوت لأصوات أطفال الحي الذين يفرقعون طاقاتهم بالصراخ حينا وباللعب حينا آخر، فلم تتحقق صفقة النوم، لبسني النعل وحط بي المسير بين أصوات أبواق السيارات التي تعِب أصحابها صبرا لفرط انتظارهم في طابور متجمد لا يذوب، والناس الآخرون منتشرون في المقاهي كالنمل الجائع المتخبط يمينا ويسارا باحثا عن غايته، شققت الطريق بشق الأنفس بين الألوان البشرية الصيفية، والبضائع المتباينة، والعطور المختلفة وأخيرا وصلت لمعرض الكتاب بقاعة زاهية، برودتها بالمكيفات عالية جدا، إذا طال بك المكوث تكون حاجتك لغطاء ثقيل ملحة، بدأت أخط المكان بنعلي بخطوات متأنية استئناسا بالمكان وبأصحابه، فرميت طرف العين ولمحت أناسا بصلعتهم تشع ضوءا وسط الرؤوس، ألقيت نظرة على كل الكتب .
فلم أجد كتابا مغربيا واحدا فزفرت زفرات مبطنة بالحنق لتمدد كتب دولة البحرين وثقافة البحرين الدولة الممولة والممونة للمهرجان بين الرفوف المنظمة، سألت بعض الحراس الذين يراقبون الزوار تجنبا للاختلاسات، حتى لا تتكرر طرافة سرقة هاتف وزيرة الثقافة البحرينية التي تتداولها المواقع هذه الأيام، فقلت كم ثمن هذا الكتاب، وهو بعنوان طرفة بن العبد الشاعر الجاهلي صاحب المعلقة التي أشاد في مطلعها بأطلال خولة التي بقيت على مر الزمن صامدة تلوح كباقي الوشم بظاهر اليد، فرد الحارس المغربي الوفي : الكتاب للمطالعة هنا، وليس للبيع، فانضافت غصة أخرى، فقلت: يا للعجب المغاربة ينتظرون المهرجانات لبيع نسخة أو اثنتين، وهذا المعرض بهذه السعة والأناقة والكتب لا تباع فيه .....
فجلست على أريكة خشبية فسيحة نقية فوقها غطاء رطب تنظمه وتمدده من جديد فتيات حسان وجوههن، تتركن رائحة طيبة تدوم مدة من خلفهن، بعد انسحاب أي قارئ عابر، فقرأت أبياتا شعرية فيها جودة بيانية فصاحة ونظما وتصفحت رواية بعنوان " جارية"، ولجأت من جديد للحارس، فقلت : لم أجد كتابا مغربيا في المعرض ؟ فرد مكرها على طلبات العبد الملحاح بثقة عالية في الجواب: ضيفة الشرف هي دولة البحرين، وكل الكتب المعروضة لها، وقد حضرت وزيرة الثقافة البارحة في الافتتاح، والكتاب المغربي سيأتي دوره في مهرجان آخر، فرددت بين نفسي سأعود لا محالة إذا استيقظت باكرا ذات يوم.
هي حكاية حقيقية، لا مزحة وعيب كل العيب على وزارة الثقافة وعلى كل المشرفين على المهرجان تهميش الكتاب المغربي، بل عيب أن يهمش المثقف والممثل والفنان في الافتتاح، فلنا من الكفاءات المغربية العالية من الرجال والنساء، والمغاربة المساكين يتابعون في الشوارع السيارات السوداء الفخمة والضخمة والتي لا تحمل غير شخص واحد بلباس خليجي ويراقبونها حتى تغيب بعيون محتشمة منكسرة تنطق فقرا ولا تسمع من مستقبلي الضيوف غير عبارة مرحبا يا شيخ مرحبا يا شيخة في بلاد شاخ سكانها انتظارا لتغيير السياسات الفاشلة في المهرجانات، وسنعود لسياسة التهميش والإقصاء أيضا في معرض اللوحات التشكيلية الخاصة بالبحرين والمعروضة في مركز الحسن الثاني للمتلقيات الدولية واللوحات المغربية معروضة على الأرصفة بالشوارع. وإليكم بعض المشاهد من الكتب المعروضة في المعرض الذي يخاف الناس من الاقتراب منه كأنه خاص لقراء مفترضين من فضاء آخر.