أحمد بيضي - خنيفرة / جديد أنفو

بدعوة من جمعية الأنصار للثقافة بخنيفرة، وبحضور عدد من المهتمين بالساحة الثقافية والفنية، تمَّ تنظيم أمسية تأبينية في الذكرى الأربعينية لرحيل الباحث المسرحي والكاتب الزجال، الفقيد أحمد هيبة، بقاعة الندوات لغرفة التجارة والصناعة والخدمات، مساء الجمعة 21 نونبر 2014، وذلك انطلاقا من مبدأ ترسيخ ثقافة الاعتراف والعرفان، والحفاظ على الذاكرة والمسارات الثقافية الفنية المحلية، وقد رفع الستار عن هذا الحفل بكلمة رقيقة من أعماق الأنثى صفاء ملوكي التي انطلقت فيها من "القاعة الحزينة" و"الآلام غير المتوقعة التي يتعرض لها الإنسان لفقدان أجزاء منه"، لتدخل في الحديث عن خنيفرة التي "عانقت الخريف في فقدان أحد أبنائها البررة الذي غادر المدينة في ذات غفوة"، واصفة الفقيد بالفاعل الذي خلف وراءه بصمة خاصة لدى الأجيال التي تتلمذت على يديه.

الحفل التأبيني الذي حضره، إلى جانب محبي وزملاء وأصدقاء وتلاميذ وطلبة الفقيد، أفراد عائلته، زوجته وأبناؤه وأخواته وإخوانه وأقاربه، حيث افتتحت أجواء هذا الحفل بكلمة مؤثرة لرئيس جمعية الأنصار للثقافة، عبدالعزيز ملوكي، أبرز من خلالها مناسبة اللقاء كشكل للتعبير عن مواجهة ثقافة الجحود والنسيان من أجل انتصار ثقافة العرفان والوفاء للفقيد الذي غادرنا في غفلة منا، مشيرا إلى مبادرات الجمعية على مستوى تكريم عدد من المبدعين، سواء الأحياء منهم، أو الذين رحلوا إلى دار البقاء، ومنهم مثلا الفنان محمد رويشة، والقاص والناقد عبد الرحيم المودن من القنيطرة، والشاعر التونسي محمد شكري ميعادي.

وقال عبدالعزيز ملوكي، "إذا كان الموت قد غيب السي أحمد هيبة، فخير عزاء لنا ما خلفه من منشورات وكتب ومقالات وأزجال، وأثر في عقول طلابه وأفئدة محبيه ومجايليه"، منتهزا الفرصة للتوجه إلى الجهات الوصية على الشأن الثقافي محليا، إقليميا ووطنيا، قصد المساهمة في طبع كتاب ألفه الراحل تحت عنوان :»محمد رويشة كما عرفته«، وحال الموت دون تحقيق إخراجه للنور، وبقي قابعا بإحدى المطابع بطنجة، ليختم رئيس الجمعية كلمته بقصيدة للشاعر التونسي محمد شكري ميعادي تحت عنوان "سيد العزلة" من ديوانه "الغيمة"، والتي لم يتمكن عند قراءتها من إخفاء مشاعره ودموعه أمام ضيوف جمعيته.

أما شقيق الفقيد، حسن هيبة، فانطلق بشهادته من وصف الله للموت ب "المصيبة"، للتحدث عن شقيقه الراحل الذي كان طيبا هادئاً ومحباً للتواصل مع الناس وطلبته الذين تخرجوا على يديه، وهو المناضل الذي فتحت عليه كتاباته النارية وكتابه عن أنفكو باب المضايقات والاستنطاقات، ولم يفت حسن هيبة التحدث بإسهاب عن تفاصيل حياة شقيقه وعشقه لأشعار نزار قباني، وتعلقه بآلام فلسطين الجريحة وكيف كان يكتب عنها منذ تأثره الشديد بمجزرة صبرا وشاتيلا، ومضى بكلمته المؤثرة إلى الحديث عن ارتباط شقيقه القوي بتراب مدينته خنيفرة ورفضه المستمر الانتقال منها إلى مدينة أخرى رغم ما عرض عليه من نصائح وإغراءات.

بدورها تقدمت أسرة الفقيد، في شخص ابنه محمد هيبة الذي لم يكن يتصور أنه سيقف للتحدث عن رحيل والده الذي ترك فراغاً في حياة وزمان الأسرة، حيث تحدث برباطة جأش عن الفقيد الأب الذي كان بالنسبة لأبنائه الأستاذ والقدوة الطاهر، والفقيد الوازن الذي توصل بثلاث رسائل ملكية وله علاقات جيدة مع عدد من الشخصيات العمومية، بينما تحدث الابن عن طيبة قلب الوالد المليء بمعاني الحب والحنان. وكما علم أبناءه رؤية الحياة بشموخ وكبرياء، كرس في حياتهم حب كتابة القصة والشعر والمشاركة بها في مسابقات المدارس والملتقيات.

ومن تم تقدمت مؤسسة الأعمال الاجتماعية للتعليم، في شخص عبدالرحمان بزامي، بكلمة متميزة من خلال ما وصفته بتفجر المعاني والكلمات لأجل الذاكرة، والتحدث عن حجم اعتزاز الفقيد أحمد هيبة بالانتماء لجغرافية وتاريخ الوطن والمدينة، ومساهمته في منح الثقافة المغربية مفهومها الجديد في إطار الحضارة والهوية المغربية، ولم يفت الكلمة سرد جزء من سيرة الفقيد من حيث كان أستاذا متميزا كما في التعليم والشعر والمسرح والزجل والإعلام، وكيف قدم الكثير ولم يأخذ شيئا عندما كان ذلك المثقف الملتزم بشعلته في الظلمة الحالكة.

بينما كان "شاعر الضفة الأخرى"، قاسم لوباي، في الموعد بشهادة مفرنسة عن الفقيد، استذكر فيها شباب الفقيد لما كان تلميذا لديه خلال السبعينيات، وعلاقاته مع زملائه وأقرانه، مشيدا بخصاله و"خربشاته" العاشقة للكتابة والشعر، ولم يفت الشاعر لوباي الانتقال بكلمته من الزمن الذي كان فيه أستاذا للفقيد إلى شخص مولع بكتابات هذا الأخير، وحاضرا في مختلف اللقاءات الثقافية والمسرحية التي يشارك فيها ويؤثثها بالعديد من المفردات والصور البلاغية الدافئة بالحس المرهف، ولم يكتف الشاعر لوباي بشهادته وهو يتلو على الحاضرين قصيدة "آخر سفر" عبر فيها عن تصوراته الشاعرية لمراحل الموت، سيما منها التي تأتي بغتة دونما تمييز، وارتباطها بلعنة فراق الأهل والأصدقاء والمحبين.

الممثلة المغربية والسينمائية، ومديرة جريدة "كواكب" ورئيسة "الجمعية الوطنية يدي بيدك"، سميرة بناني فاضل، أبت إلا أن تطوي المسافات الطويلة لأجل حضور حفل تأبين الفقيد أحمد هيبة، غير أنها التحقت متأخرة ل "ظروف طرقية"، وبينما عبرت عن ألمها الشديد بسبب هذا التأخر، أشادت عميقا بمبادرة جمعية الأنصار للثقافة والتفاتها الكريمة، وتمنت تعميم مثل هذه الخطوة الوفية حتى تشمل مختلف المبدعين والمثقفين والفنانين الذين يرحلون في صمت، ووصفت المبادرة بالأمل الذي أنعشها وجعلها على ثقة تامة بوجود أناس سيتذكرونها ذات يوم.

الحفل التأبيني الذي زركشه الفنان المنشد نور الدين فرح بباقة من الأمداح والابتهالات، تم تتويجه بشريط يتضمن شذرات من مشاركات الفقيد في أنشطة جمعية الأنصار للثقافة، وكتاباته ومؤلفاته، وشهادات لبعض زملائه بمركز تكوين الأستاذات والأساتذة بخنيفرة، منهم القائم الذي اعتبر وفاة الفقيد خسارة محزنة، وضاضي الذي وصفه بواحد من أهرام اللغة العربية، ثم بن صالح الذي ركز على الشخصية المثقفة في مسار الفقيد، وبعده وزين الذي رأى في هذا الفقيد المثال الملموس في نكران الذات، ولم يفت عون المركز التحدث بدوره عن صفات الراحل الحميدة والإنسانية، ليختتم الحفل بتوزيع شهادات تقديرية على جميع أفراد أسرة الفقيد وعدد من الفاعلين.

وعلى هامش الحفل التأبيني، نظمت الجمعية المنظمة معرضا لمجموعة من الصور الخاصة بالفقيد توثق للعديد من محطات مساره الفني والأدبي والتربوي والتكويني، إلى جانب بعض أعماله، والشهادات التي حصل عليها من طرف هيئات ثقافية وسياسية وفنية وجمعوية بالمغرب وخارجه .

وكانت الساحة الثقافية بخنيفرة قد فقدت الجمعوي الزجال والباحث المسرحي، أحمد هيبة، مساء يوم الأربعاء 8 أكتوبر 2014، وشيع جثمانه، بعد صلاة ظهر اليوم الموالي الخميس، في جو جنائزي مهيب حضره حشد من المواطنين ورجال التعليم، والفاعلين في المجال الثقافي والجمعوي والإعلامي والنقابي والسياسي، وطلبة مركز تكوين الأساتذة، والأقارب والمعارف، بالنظر لقيمة الفقيد الذي سيظل حيا في نفوس عائلته الجمعوية والفكرية والفنية والتربوية.

ويعد الفقيد وجها معروفا في المشهد الجمعوي والثقافي بمدينته خنيفرة التي كان يحبها حبا جنونيا، ومن بين المبدعين الذين أنجبتهم هذه المدينة ارتباطا بمجال المسرح بحثا وكتابة وعشقا، وكان قيد حياته أستاذا بمركز تكوين الأستاذات والأساتذة، وباحثا وناقدا في الحركة المسرحية، له كتابات فنية ومؤلفات وطنية، وشارك في عدة ندوات ومهرجانات وبرامج إذاعية، وحاصل على الجائزة الأولى في القصة القصيرة من نادي أبها السعودي، وله كراسات حول المسرح المدرسي، وأخرى لم تر النور، كما ظل مهتما بأحوال الفنانين والشعراء الشعبيين، وكان من أصدقاء الفنان الراحل محمد رويشة، ومن بين كتاب أغانيه، وقد نشر حول هذا الفنان الخالد سلسلة من الحلقات بإحدى الجرائد المغربية قبل أيام قليلة من وفاته، قبل قيامه بتأليف كتابه عن ذات الفنان، والذي ما يزال حبيس مطبعة بطنجة.