انتهت فترة الانتقالات الشتوية وخلفت وراءها مجموعة من اللاعبين ضحايا بالبطولة الوطنية، بعدما بادرت الفرق التي كانوا يحملون ألوانها إلى التخلي عنهم قبيلة ليلة العيد ودفعهم إلى البحث عن فرق جديدة قبل ساعات من إغلاق باب الانتقالات.
ويجسد هذه الأمر مدى العشوائية التي تحكم سير أغلب الأندية الوطنية، وابتعادها عن تدبير مواردها البشرية من منطلق إنساني، الأمر يحول اللاعبين في كثير من الأحيان إلى «أقنان» تتحكم فيهم عقلية انتهازية، بعيدا عن شعارات الرياضة، والتي تضع الأخلاق فوق كل الاعتبارات.
وتفشت هذه الوضعية بشكل كبير خلال فترة الانتقالات الشتوية، حيث عمدت عدة فرق إلى إسقاط بعض لاعبيها من لائحتها الرسمية، ومطالبتهم بالرحيل، بل نهجت في بعض الحالات منطق المزايدة، بدفعهم إلى التنازل عن مستحقاتهم العالقة مقابل الترخيص لهم بالرحيل، غير آبهة بالأوضاع الاجتماعية التي يعيشونها، والتي تدفع بعضهم إلى الاقتراض وأحيانا إلى استجداء عطف المحبين.
الطريق المسدود
في شهر يناير من سنة 2011، وقبل حوالي خمس ساعات من إغلاق باب الانتقالات سلم مسؤولو الرجاء البيضاوي اللاعب سعيد فتاح أوراقه، وأغلقوا في وجهه باب مركب الوازيس، بعدما كان أحد العناصر المتألقة في تشكيلة الخضر.
قرار المسؤولين الرجاويين، الذي تفاجأ له الكثير من الأنصار، كان بهدف دفع اللاعب إلى الانتقال إلى الخليج وعدم التحاقه بأي فريق مغربي منافس، غير أن «اللي فراس الجمل فراس الجمالة» ، إذ أن سعيد لم يقطع سوى أمتار قليلة، ليحط الرحال بمركب بنجلون، حيث وجد رئيس الوداد البيضاوي في انتظاره، ووقع عقدا جعله من الدعائم الأساسية للفريق الأحمر، ثم لاعبا دوليا بالمنتخب الوطني.
وإذا كان سعيد فتاح قد نجح في رد الصاع صاعين للرجاء، فإن لاعبين آخرين وجدوا أنفسهم عرضة للضياع، ومجبرين على قضاء عطلة إجبارية، في انتظار ما ستجود به رحلة الصيف.
فصلاح الدين السباعي، الذي التحق بالرجاء في الصيف الماضي، تلقى دعوة للالتحاق ببعثة الفريق المتوجهة إلى مدينة أكادير ، حيث سيخوض تجمعا تدريبيا، لكنه بمجرد محاولته امتطاء الحافلة، فوجئ بقرار صارم يمنعه من مرافقة زملائه، ويجبره على العودة من حيث أتى، بعدما أخبر أنه أصبح خارج اللائحة التي سيعتمد عليها المدرب فوزي البنزرتي خلال مرحلة الإياب من منافسات بطولة الموسم.
قرار لم يستسغه السباعي، وبادر إلى تجهيز ملف الدفاع عن حقوقه، فيما قام الفريق الأخضر بنشر بلاغ توضيحي على موقعه الرسمي يؤكد فيه، أن خطأ إداريا بسيطا نتج عنه استدعاء السباعي بالخطأ للالتحاق بالمجموعة المتوجهة عبر الحافلة إلى مدينة أكادير، قبل أن ينبهه نائب الرئيس إلى «ضرورة الالتحاق بفريق الأمل إلى حين تسوية وضعيته مع الإدارة»، وإنهاء مفاوضات الفراق. وأضاف البلاغ أن «اللاعب يعرف جيدا أنه خارج حسابات المدرب وخارج اللائحة الرسمية، وبالتالي عليه أن يقرر في مساره الكروي بعقلانية.»
وتشير بعض المصادر المقربة من اللاعب السباعي إلى أن وكيل أعماله جهز ملفا يضم مجموعة من الوثائق، يتقدمها البلاغ المنشور على موقع الفريق، والذي يؤكد بصريح العبارة أن اللاعب تم التخلي عنه، وبالتالي يجب تسديد كافة مستحقاته، وفي حالة الرفض قد يلجأ إلى القضاء، مستحضرا حالة مماثلة بفريق اتحاد جدة السعودي، الذي كاد ينزل إلى الدرجة الثانية بقرار من الفيفا، بعد تخليه عن لاعب كرواتي.
وأضاف مصدرنا أن هذا الوكيل قد يلجأ إلى التصعيد ضد الفريق الأخضر، خاصة وأنه يعتبر أن طريقة فسخ عقد موكله الثاني، كاندا، لم تتم بشكل قانوني، وأنه سيطعن فيها مدافعا عن حقوقه وحقوق موكله، الذي كلف الرجاء الكثير دون أن يلعب مباراة واحدة كاملة.
وضعية تعكس بالملموس سياسة التهافت داخل الفرق المغربية، ولهفتها وراء اللاعبين، حتى دون أن تخضعهم للتجربة، ودون تعيين لجنة تقنية تتكلف بالانتدابات، ليبقى الأمر خاضعا لمزاج المسيرين، الذين كثيرا ما كبدت قراراتهم العشوائية فرقهم الكثير من التبعات المالية.
«الشانطاج»
استعان اللاعب ياسين الرامي بعون قضائي من أجل إثبات واقعة منعه من التدرب مع الفريق الأول، بعدما وضعه المدرب عبد الرحيم طالب خارج مفكرته. وفي الوقت الذي كانت فيه المفاوضات تسير في اتجاه فك الارتباط بالتراضي، بعد قبول اللاعب السابق للحسنية التنازل عن جزء من ديونه، غير أنه عندما أراد تسلم باقي ديونه تلقى شيكا غبر قابل للسحب، الأمر الذي دفعه إلى قلب الطاولة، واستدعاء عون قضائي.
وهو نفس المسلك الذي لجأ إليه زميلاه عمر نجدي وعبد الرزاق لمناصفي، اللذان أسقطا بدورهما من لائحة الفريق، وباشرت الإدارة إجراءات التخلص منهما، غير أن اللاعبين أصرا على التوصل بمستحقاتهما كاملة، ورفضا أي مساومة، بعدما كان مسؤولو الفريق يعولون على تنازلهما عن بعض مستحقاتهما مقابل السماح لهما بالرحيل.
وبالعاصمة العلمية، عاش اللاعب العياطي نفس المحنة، بعدما خيره مسؤولو الماص بين التنازل عن مستحقاته والرحيل إلى الكوكب المراكشي، فعلا رضخ اللاعب لهذه المساو مة واختار الرحيل عن فريق عجز عن احتضانه وتوفير الجو السليم للممارسة له ولرفيقه جيفرسون، ليحطا الرحال معا بالكوكب المراكشي.
وبمدينة الجديدة تجرع الحارس الحسين زانا مرارة نفس الكأس، بعدما تم إخباره من طرف المدرب المساعد بأن عبد الحق بنشيخة، مدرب الفريق الأول، لن يعتمد عليه، وأنه مطالب بالبحث عن فريق، قبل ساعات من إغلاق فترة الانتقالات، وأيضا قبيل عيد الأضحى، لتكون هدية مسمومة للعيد. وتأسفت الجماهير الدكالية لمصير هذا الحارس الذي لم ينل فرصة اللعب أساسيا رغم ما يتوفر عليه من إمكانيات.
سلوك خلف أزمة في نفسية هذا الحارس، الذي لم يجد سوى دفء المحبين، بعدما تنكر له المسؤولون.
الفراغ الجامعي
تنص قوانين الجامعة على أن اللاعب الذي لا يتم قيده ضمن اللائحة الرسمية يصبح حرا، ومن حقه التوصل بكافة مستحقاته، والانتقال للفريق الذي يريد.
وعالجت الجامعة في أول مواسم الاحتراف العديد من الملفات، التي همت اللاعبين والمدربين، غير أن الفراغ الذي تعيشه الجامعة منذ شهر أكتوبر الماضي، عطل حقوق مجموعة من اللاعبين، الذي وجدوا أنفسهم مجبرين على قضاء فترة راحة إجبارية، وانتظار مكتب جامعي جديد يمكنه البت في الشكايات التي تقدموا بها ضد فرق « رمتهم عظما بعدما أكلتهم لحما».
وسيكون المكتب الجامعي المقبل مطالبا بجهد كبير لتصحيح الكثير من مظاهر الاختلال، وحفظ حقوق الممارسين، كما الأندية، التي تضرر بعضها من تصرفات بعض المدربين أو اللاعبين.
وضع يبين أننا مازلنا بعيدين كثيرا عن الاحتراف، الذي تريد الجامعة أن تفرضه في ظل تفشي هواية التسيير، لأن الكثير من «الجاثمين» على أنفاس الفرق المغربية يتحكم فيهم منطق مول الشكارة، بعيدا عن أي تدبير عقلاني للشأن الكروي، ويكفي أن نستحضر الصورة السلبية التي ظهر بها الكثير من مسيرينا خلال الجمع العام الأخير للجامعة.
المصدر: الاتحاد الاشتراكي