علي الحسني - الرشيدية
من أبي الجعد الى الرشيدية.. رحلة الألف ميل لتوثيق ذاكرة تافيلالت بمختلف مكوناتها الاثنية وتراثها الغني والمتنوع بدأت مع الناقد والمخرج السينمائي عامر الشرقي في أولى أفلامه التوثيقية القصيرة "همسات الاعالي" و" ظل الحب".
الثقافة الشفاهية لمنطقة الجنوب الشرقي الغنية بأغانيها وأهازيجها وأشعارها وحكاياتها وأساطيرها بعاداتها وتقاليدها شكلت الكنز المفقود الذي كان يبحث عنه عامر الشرقي في خريطة جغرافية تفتقد الاحداثيات مستعينا بالصوت والصورة للحفاظ على أجزاء من الذاكرة المحلية في منطقة ضاربة بجذورها في اعماق التاريخ.
بالنسبة للشرقي ابن مدينة أبي الجعد الذي يعتبره اهل المنطقة بمثابة "الاخ الذي لم تلده لك امك" فإن هدف باكورة أعماله التوثيقية "همسات الاعالي" (حازعلى الجائزة الكبرى لمهرجان اسني ن ورغ الدولي للفيلم الأمازيغي في دورته الخامسة) و"ظل الحب"، يتعدى التوثيق إلى محاولة صيانة قصة تراث شفهي كان قاب قوسين او ادنى من الاندثار كما انها قضية بقاء وانتماء للماضي والتاسيس للمستقبل.
كما في مشاريع أخرى يأتي مشروع توثيق الذاكرة المحلية مدفوعا بقصة شخصية، كما يوضح عامر الشرقي الذي استهوته روح شباب وشيوخ المنطقة، هيبتهم وروح الصمود والبقاء في الارض وهو التلميذ الذي خالف بإصرار رغبة عائلته التي كانت تطمح ان يكون توجهه علميا لكن شوقه بالأدب واللغات قاده إلى اللغة والأدب الفرنسيين.
الاهتمام بذاكرة المنطقة، كما يقول الشرقي، في حديث لوكالة المغرب العربي للانباء، "أملاه عبوري لهذه المناطق و ملاحظة مدى ما تزخر به و مدى التهميش الذي يعانيه مبدعوها ذلك ان التركيز على هذه الجغرافيا مرتبط بما علمتني إياه من حب للناس ووفاء لكرمائهم، هو أيضاً ما وجدته من صدق في سكان هذه المنطقة و الاحتضان الذي قوبلت به في كل مدن و قرى هذا الجنوب".
ان الاهتمام بهذا الركن من الوطن سينمائيا، يضيف الشرقي، هو محاولة لإنقاذ تراث شفاهي مهدد. انه محاولة للحفاظ على أشعار الكبير مولاي احمد اوالطاهر، الذي يعاني المرض و قلة ذات اليد، و أغاني احماد اوهاشم بوعزامة المتميزة و شعر محمد شاكر المرهف و ألوان سعيد نجيمة الفاتنة و غيرهم من مبدعين كبار تزخر بهم المنطقة.
واكد في هذا الاطار ان التوثيق السينمائي لهذه التراث هو "توثيق لذاكرتنا الجماعية، لهويتنا الثقافية الغنية و المتعددة، وهو إعادة الاعتبار لطقوس و عادات و إبداعات تشكلت من هذا الوطن و همشتها ثقافة عالمة او متعالمة و جاء الحين لنصرخ بأن في المغرب مبدعون لا يقطنون الحواضر الكبرى، انهم هنا في الرشيدية و أرفود و ملاعب و توروك و قلعة مكونة و الجرف و اكدز و زاكورة...." ، مشيرا الى ان هذا التوثيق هو شكل من الترافع "لنقول بأننا هنا قادرين على ان نمتع و نطرب ونفيد و نساهم في بناء المشهد الثقافي و الفني لوطننا بشكل بعيد عن الادعاء او المزايدة او التعصب".
وعن الشهادات في "ظل الحب" و "همسات الأعالي" فإنها تشكل عصب الفيلمين لان الغاية منهما كانت في البداية هي الحفاظ عل تراث شفاهي و لان قوة الشهادات أكبر من ان تواكبها صورا أخرى غير صور المبدعين المدلين بها. حضور الشخصيات في لقطات كبيرة او كبيرة جداً مع التركيز على الوجه أملته تعبيرية الوجوه و قدرتها على إيصال الرسالة و على التعبير بصدق و قوة.
من هنا يشدد الشرقي على ان شخصيات الفيلمين الذين "انجزتهما لا تفرق بين الشخصي و الابداعي، انها شخصيات ارتبط عندها الإبداع بهموم المعيش اليومي فتراهم شعراء و فنانين في بيوتهم مع أهلهم و مع أصدقائهم و في أماكن عملهم. ان الإبداع بالنسبة لهم حالة متواصلة و ملازمة لهم في الحياة".
التوثيق السينمائي بالنسبة لعامر الشرقي لا يتجاوز هدفين اثنين اولهما الحاجة الشخصية "لتأييد لحظات وشخصيات عزيزة على قلبي عبر البحث عن صيغ للاحتفاظ بها لذاكرة العين و القلب"، أما الهدف الثاني فيكمن في "إيصال أصوات تجنبت، تعففا، الصراخ مطالبة بحقها في الاعتراف، انهم فنانون و مبدعون و أدباء بقامات فارهة اثروا العمل و الإبداع بصمت".
يحرص الشرقي على وصف اعماله بالتمارين الاخراجية التي "ساظل أصفها كذلك ما استمر اقترافي لها "، معتبرا ان الفن حامل لرسالة، و انه يتعين "ان تكون لأعمالنا السينمائية القدرة الترافعية فهذا ما نطمح اليه، فلكل إنسان طريقته في إيصال خطابه، و بالنسبة لي فالصورة قادرة على ان تنصف العديد من الناس، ربما لن يتحقق لي ذلك في القريب من الأيام لكن أجدها صيغة مريحة لضميري أساند بها من أحبهم و احتفظ لنفسي بصور جميلة لهم".
للجامعة دور كبير يتعين ان تضطلع به ، يبرز عامر الشرقي، فالنسبة لمنطقة الجنوب الشرقي فأهم عمل يمكن الحديث عنه هو ما قام به مجموعة من الباحثين في تجميع ثرات تافيلالت و درعة و باستثناء ذلك تبقى الجامعة مطالبة بالاهتمام بمحيطها و هذا ما لم يتم الانتباه اليه في الجنوب الشرقي، فإذا استثنينا بعض المجهودات التي يقوم بها بعض الأساتذة الباحثين، فمؤسسات المنطقة تكاد تكون "بعيدة كل البعد أكاديميا ومعرفيا على ان تشكل محورا مهتما بالعلماء و الفنانين و المبدعين لانغلاق هذه المؤسسات على نفسها ".
من هنا تبرز حاجة المنطقة إلى مهرجانات كبرى قادرة على إبراز مؤهلات العديد من أبنائها وتوقف المهرجان السينمائي الجامعي ومهرجان الرشيدية الثقافي فيه "قتل لموعدين ثقافيين و فنيين مهمين. "
لعامر الشرقي مسار حافل بالذكريات التي بدات بانخراطه في أنشطة دار الشباب بأبي الجعد وبأول جمعية للمسرح سنة 1984 وهي جمعية البعث المسرحي التي اكتشف داخلها مجموعة من النصوص المسرحية العربية و العالمية تعلم عبرها أبجديات التشخيص المسرحي مكنه من لعب أول دور في مسرحية "رصاصة في القلب"، أما بالنسبة للسينما، فقد انخرط منذ سنوات الدراسة في النادي السينمائي للمدينة وكان يتابع بشغف و حب حصص النادي الشيئ الذي فتح له باب اكتشاف كبار الأفلام وأشهر المخرجين.
المصدر: و. م .ع