علي الحسني - الرشيدية

تتميز منطقة تافيلالت بتنوع وغنى تراثها وثقافتها شكلت فيه قبائل ذوي منيع احدى مكوناتها الاساسية ضمن فسيفساء متناسقة.

فالملاحظ أن هذه القبيلة، التي يعود تاريخ ارتباطها بالمنطقة إلى القرن الثالث عشر الميلادي عندما قدمت من المشرق العربي في رحلة امتدت من الحجاز شرقا إلى المغرب غربا ضمن هجرة القبائل الهلالية، تميزت بحضور لافت في المنطقة إما استقرارا أو تنقلا في الأرجاء.

وفي هذا الاطار يقول ، الباحث في التراث المحلي  مصطفى الفضيلي، أن هذه القبيلة شكلت مكونا أساسا لا يمكن بأي حال من الاحوال تجاهله في المنظومة الاجتماعية والثقافية بمنطقة تافيلالت ، فهي إلى جانب قبائل أخرى "تمثل عامل ثراء وغناء تراثي للمنطقة، وعمقا تراثيا يؤثث الفسيفساء الثقافية لبوذنيب" مضيفا أنه و"بفعل مستجدات العولمة الكاسحة التي تحاول تنميط الثقافات وتسطيحها، يحتاج هذا التراث المنيعي إلى أن تولى له أهمية خاصة من حيث تدوينه والعناية برجالاته، والحرص على إقامة المناسبات التي تعرف بثرائه وغناه وتيسر السبل لدراسته من أجل الكشف  عن معانيه ودلالاته التي تجعل منه عامل بناء للشخصية المغربية المتسمة بالتعدد".

وأبرز الفضيلي، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أنه لايزال هناك افراد من هذه القبيلة يعيشون حياة البداوة في الخيام وحياة الرحل وأن كان الكثير منهم وبسبب متطلبات الحياة المعاصرة وسنوات الجفاف والرغبة في تعليم الأبناء وهجرة الأبناء للعمل في مدن أخرى، قد اضطر إلى الاستقرار داخل مدينة بوذنيب، مؤكدا أن ارتباطهم بحياة الرحل جعل بعض شعراؤهم يتغنون بالصحراء كفضاء ثقافي واجتماعي، لكونها "تشكل رمز عشقهم للحرية وحبهم للانطلاق وخرق الآفاق..."

وعن قيمة وأهمية  التراث الشفهي لهذه القبيلة ، فأبرز الباحث أن قبيلة ذوي منيع تتميز بتراث ثقافي شعبي يمكن ان نميز فيه بين ما هو مادي وما هو شفهي. فبالنسبة للتراث المادي "فإنه لا يمكن الحديث عن المعمار على اعتبار ان القبيلة كانت متنقلة تحمل خيامها تتبعا لمواطن الماء والكلأ، وحتى الذين استقروا، وهم قلة، وبنوا منازل وقصورا فإنهم لم يكونوا يعيرون أهمية للتصاميم التي كانت لا تخرج عن "حوش تحيط به مجموعة من الغرف"، مشيرا الى بعض المشغولات اليدوية التي عرفت بها هذه القبائل وخاصة ما له علاقة باللباس والحلي والخيام وما يرتبط بها كالعباءة  والعمامة والمظل والسلهام والحَمَّالة والتماك والكطاية والخُوصْ، والخلالتين... وطرق التداوي..وبعض الحرف اليدوية..

اما بالنسبة للتراث الشفهي فيمكن الحديث عن الأمثال والألغاز(الحَجَّايَة والكاف) والزجل وطقوس الزواج وتلك المرتبطة بالمناسبات الدينية كيوم عرفة (عريفة الولاد وعريفة لبنات)، وعيد الأضحى (البَغِّيل)...

ولعل مما يميز القبيلة ويؤكد ارتباطها بهويتها الابداعية ، يضيف الفضيلي، "هو استمرار احتفائها بالشعر، وحرص أفرادها على حضور الشاعر كل مناسباتها فرحا وقرحا، يسجل تلك اللحظات ويخلد ذكرها، لما تشكله من وسيلة للحفظ من النسيان والإهمال، ثم للدور الذي يلعبه الشاعر من خلال مدحه أو ذمه في التحريض على مكارم الأخلاق كالكرم والغيرة والوحدة والإيثار...، أو التنفير من غيرها كالبخل والأنانية والفردانية وسوء الخلق. فكان من الطبيعي أن يرتبط الشعر بها ارتباطا وجدانيا وترتبط هي به ويحفظه أبناؤها".

ولا يخرج هذا الشعر عن الأغراض التي عرفت للشعر العربي الفصيح، حيث نجد المدح والهجاء والغزل والنسيب.. إلى جانب شعر النقائض والتي تجعل من هذا الكلمة الموزونة وثيقة تنقل نظرة القبيلة للآخر والكون والحياة، وتفاعلها معه إيجابا أو سلبا، تفاعلا يرتبط بالزمان والمكان، المحلي والعالمي، الوطني والدولي، الإنسان والحيوان، الخاص والعام...

واشتهرت هذه القبيلة، التي استوطنت حوض كير الممتد من الجنوب الشرقي المغربي إلى الساورة بالجنوب الغربي الجزائري، برقصة خاصة تعرف ب"هوبي"، التي تتميز بإيقاعها الخاص الذي لا يعتمد على آلة أو غيرها، إنما يتولد إيقاعها عن طريق انسجام حركات أيدي وأرجل الذين ينجزون الرقصة، وهي رقصة تعتبر فقرة أساس في كل أفراح القبيلة والمناسبات الوطنية السعيدة.

وما يميز هذه الرقصة - الايقونة ان الرجال يصطفون وهم في غالبيتهم من الشباب العازبين والمطلقين وحتى المتزوجين من الجنسين، على شكل هلال وتتوسطهم المرأة الراقصة، حيث تبدأ الرقصة بمواويل خاصة تعرف ب"بونكطة"، يرددها رجل فرجلان أو أكثر هجاء أو غزلا، وينتظر بقية المصطفين إشارة البداية في الرقصة، ويؤخذ من تلك المواويل ما يعرف ب"الحَمَّايَة" يردد فيه الشباب كلمات هجائية، وعادة ما تكون صلاة على الرسول الكريم صلوات الله عليه وسلامه "يا الهاشمي يا رسول الله".

بعدها يتوزع دور الشباب بين من "يدق" ومن "ينقر" بكفيه، ثم تبدأ "الماية" وهي حركة تسخينية يعتمد فيها على الضرب بالأكف وضرب الأرض بالأرجل، وتتقدم البنات إلى وسط الحلقة في تعرج وتمايل إلى أن يتواجهن مع الرجال، فيردد الرجال كلمة "هوبي، هوبي" بسرعة فائقة تجعل من أصواتهم سمفونية خاصة تدوم بضعة دقائق تعلن الفتاة الراقصة نهايتها بحركة منها.

وأبرز الفضيلي، في هذا الاطار، الى أن بعض شيوخ القبيلة ذكروا أن هذه الرقصة تشكل فرصة ليتعرف الشباب الراغبين في الزواج، عن طريق النظر، على العازبات (لا يلبسن الخوص ويدلين على وجوههن بخمورهن أو ما يعرف ب"غريبلة") والمطلقات (تضعن الخوص قبل مؤخرة ضفيرة شعرهن) ويختارون من يرضون منهن زوجات.

واشار الى ان هناك عدة قراءات تأويلية لهذه الرقصة، منها ان الشكل الهندسي لها يتضمن بعد دينيا فالهلال نسبة إلى الإسلام، وذو بعد تاريخي يعود إلى نسب القبيلة "بنو هلال"، كما أن توسط المرأة للشكل دال على مكانة المرأة في القبيلة من ناحيتين، الأولى للدور الإيجابي الذي تلعبه في الجمع بين أطراف القبيلة كما يمكن أن تقوم بدور سلبي يفرق بين أحيائها، والثانية هو أن المرأة ليست مما يوضع عليه خناق بل لها نصيبها من الحرية لكي تحيى وتَسْعَد وتُسْعِد من حولها...

المصدر: و. م .ع