علي الحسني - الرشيدية

 من بين المبدعات القليلات بإقليم الرشيدية اللواتي امتطين صهوة الأوزان والقوافي للتعبير عن شعرية وشاعرية الذات...إنها بشرى سعيدي "خنساء" تافيلالت التي حقق سلطان الكلمة أحلامها في واقع افتراضي يحتضن الآلام والآمال.

"الكتابة المبدعة إمكانية كل امرأة لأنه "فعل أنوثة"، كما قال الفيلسوف الفرنسي غاستون باشلار، ذلك أن المرأة تمتلك من الحس الجمالي والموهبة ما يجعلها قادرة على الإبداع والتميز، فالإبداع يعتمد على الحدس والشفافية والطلاقة والعمق وهي جوهر الأنوثة وحقيقتها، والكتابة تنبعث من الصراع الداخلي بين المكبوت والمعلن .. وهو ما يجعلها أقدر الخلق على التعبير عما يجول بخاطرها.

فبشرى سعيدي، الانسانة البسيطة بساطة أهل منطقتها، استطاعت أن تختصر ذلك المعنى وتعبر من خلال أولى باكورة أعمالها الشعرية "أرخبيل الاحلام" عن خلجات قلبها و لواعج شجونها للتخفيف من وطأة همومها ولوعة أحزانها، فجاءت نصوصها الشعرية معبرة عما يجول بخاطرها، ولأنها شديدة الإحساس ورقيقة التعبير، جعلها ذلك قادرة على إيجاد بعد دلالي اتسم بالصفاء وعمق المضمون، واستطاعت أن تؤسس لنفسها منهاجا مميزا ذا لغة خاصة، وسمة فنية رائعة، وعبرت عن قضاياها وهمومها الذاتية ورغباتها الدفينة.

كنت منذ المرحلة الابتدائية، كما تكشف سعيدي في بوح لوكالة المغرب العربي للأنباء، "شغوفة بالقراءة إلى حد كبير، أقرأ بنهم كل ما أجده أمامي، فلازلت اذكر أنني كنت أطلع على كتب تفوق مستواي، وكنت استمتع بذلك خصوصا الروايات والقصص، كنت أميل منذ الصغر إلى حفظ الأمثال الشعبية، فاكتسبت مهارة الحديث المسجوع".

قصيدة "ليلة" شكلت أولى الخطوات الابداعية في مسار بشرى سعيدي الاستاذة بالكلية متعددة التخصصات التي تفجرت طاقتها الخلاقة في مجال الشعر ونشرت اعمالها الجنينية في مجلة " آفاق سجلماسة".

"اخترت الشعر لأنه الفن الذي يسمح لي بإثبات ذاتي ويجعلني استفز الحس العاطفي بداخلي والمشبع بالوجع الذاتي والانساني" تؤكد سعيدي التي شكل ديوانها الشعري أضمومة لقصائد مستوحاة من رحم المعاناة وما يقع في بؤر التوتر العربي من ثورات، فهو "احساس بعالمي المثقل بالجراحات ..أحاول أن أعانق الابداع للتعبير عن الرحلة العربية المنكسرة متأثرة بمرارة الانهزامات والانكسارات".

"أرخبيل الأحلام" كتابة حالمة يتداخل فيها الواقع بالتاريخ والاسطورة ..أعانق عبرها شاعرية الحرف علني انتج متعة تخرج من عمق المعاناة وهي أمانة حلم رافقتني منذ زمن بعيد لم استطع ان افصل بين ماهو ذاتي وماهو غيري بداخلي" ، تقول سعيدي، التي تعتبر أن الحلم "نوع من طقوس الكتابة لدي أسكب عبر صفحات القصيد آهاتي وآمالي وأبحث عن توليفة تلملم جراح واقعي علني احقق استجابات نفسية.. اعتبر قصائدي ملخص مأساة ذاكرة جمعية صيغت بضمير المتكلم".

الكلمة بالنسبة لسعيدي "أنثى حبلى بطاقة الخلق وبلسم لجراحها تضعها في أفق مليء بالدلالات فمن خلالها اتنفس واحلق الى المستقبل ..الشعر لحظات عشق يكتنفها صراع أزلي غشته فصول ربيع أصبح خريفا".

تجرعت كأس الفراق وذاقت علقم الفقد ولوعة الوداع فتحولت دموعها إلى مراثي حزينة، حروفها الأحزان، وسِفرها قلب مضنى، وقافيتها اللوعة والأسى، وبحرها من فيضانات العبرات.

بكائيات ومراثي وأحزان صفة تكاد تلازم بشرى سعيدي في كل أعمالها ..غلبت على كتاباتها النزعة الحزينة والثورية، ففقدانها لأخيها الاصغر الذي غيبه الموت أدمى قلبها وفجر موهبتها في سن المرحلة الثانوية، لذلك "جاء معظم شعري في بداياته بنبرة حزينة فكتبت العديد من القصائد التي نشرتها في عدة جرائد ورقية".

"لا قوة كقوة الضمير ولا مجد كمجد الذكاء" قولة مأثورة لفيكتور هيغو أثرت في بشرى سعيدي وقوت عزيمتها وإصرارها على مواصلة درب الابداع والتحليق بدون قيود لتعانق بحرية روحها الحالمة في مكاشفة صوفية لذاتها وواقعها.

اعجابها وتأثرها بفطاحل الشعراء أمثال "الخنساء" و"جليلة" وبمحمود درويش وسميح القاسم وامرئ القيس وطرفة بن العبد وعمر بن كلثوم وكعب بن زهير ، أغنى المعجم الشعري والتعبيري لبشرى سعيدي وفسح لها امكانية التعبير بكل تلقائية عن لواعجها ومكنونات نفسها في قالب شاعري بدلالات وصور شعرية تحكي جرح الزمان.

الكتابة الشعرية بالنسبة لسعيدي هي "حفر ديالكتيك نفسيتي، فيها أحاول المسك باللحظة الجمالية والفنية، اختياري لهذا النمط هو نوع من المشاكسة الأنثوية التي لا ترغب الدوران في فلك الآخرين، بل أخلق حركة استيطيقية من خلال تفاعل ذاتي مع الوجود لأجد متعتي في الحلم الشعري الذي لا يتلاشى عبر الاشتغال الخلاق والتوليد".

أفرغ حزني وتأثري، تقول سعيدي، على صفحات أوراقي رغبة في الوصول إلى معنى للحياة والذي لا يتحقق إلا بالغوص في بحر الأحلام، فبين إنسيابية الماء وصفاء الحلم أحاول القبض على لحظات جمالية تؤرخ لكتابة تبحث عن هوية.

وأحلام اليقظة هاته التي يضمها ديوان "أرخبيل الاحلام" هي مكابدة لتحولات عشتها فأسقطت فيها استيهاماتي محاولة أن أخلق واقعا يليق بي ويحتضن آلامي وآمالي.

حبها للإبداع تجاوز حدود الشعر الى المسرح والادب، فطرقت دراسة نصوص مسرحية خاصة مسرح العبث، فأصدرت كتاب "تمظهرات العبث في مسرح محمد تيمد" وذلك لأن لغة الدراما تحمل بين ثناياها عبثية الانسان، كما ان لبشرى سعيدي مؤلفات قيد الاعداد والنشر "أدب السجون" و"الثقافة المحلية بإقليم الرشيدية".

 



المصدر: و. م .ع