علي الحسني - الرشيدية
الرواية ابداع انساني برؤية فلسفية ومعالجة قضايا فلسفية بشكل روائي هي خلاصة الرؤية الابداعية لحسن لشهب مدرس الفلسفة الذي جعل من مدينة الرشيدية "فضاء روائيا " للعلاقات الانسانية.
"صخب الأيام " والمرفأ الآخر" روايتان تختزلان الاسلوب الروائي لحسن لشهب الذي يؤكد انه "لا يمكن الحديث عن الرواية دون الحديث عن الفلسفة " فالرواية تصور شخصيات واحداث وحالات وجودية او خيالية مهما كانت بساطتها بطريقة فلسفية تدعو الى التأمل والتفكير، فليس المهم أن تبحث عن اجابات للإشكالات المطروحة.
إنه بفضل الفضاء، يؤكد لشهب في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، يستطيع الروائي من أن يمسك بالمسافات الداخلية للشخصيات، هذا الفضاء الذي ليس "مجرد فعل سيكولوجي - بتعبير الكاتب الفرنسي جورج ماتوري" وإنما هو مرتبط بمجتمع معين، هو هنا بالذات مجتمع الواحات في مختلف أبعاده وشروطه التاريخية والنفسية والاخلاقية.
والواضح أن هذا الفضاء له خصوصيته، فهو يتميز عن فضاءات جمالية أخرى كالفضاء المسرحي والفضاء السينمائي ويعد محورا من محاور النص الروائي، وليس مجرد مسرح تقع على ركحه الأحداث. فالأحداث في "المرفأ الآخر" تدور في أحد فنادق المدينة وفي " صخب الايام" بأحد الاحياء الشعبية، ولا شك في أن هذا الفضاء الروائي لا يظهر في النص اعتباطا، بل هو فعل مقصود من الروائي لوضع القارئ /المتلقي امام رمزية المكان المحمل بالقيم.
وهو فضاء او فضاءات لملتقى الثقافات والحضارات والقيم الانسانية والبعد الاسطوري خاصة في " المرفأ الآخر" من خلال هيلين وعمر بطلي الرواية اللذان جمعهما القدر في احدى فنادق المدينة حيث " حالة همس للذات تنبعث من تفاعل الانا باللحظة كأن الانسان انخرط في حوار رمزي مع المكان والأشياء.هو سفر روحي ينشد للذات موقعا في حلكة العلاقات المتشابكة بين الافراد والكائنات. أفق التأمل في الفضاءات الداخلية يكون بطيئا تتخلله فراغات يعوقها سيل الافكار عن الامتداد" .
أما " صخب الايام" فتقف عند فضاء آخر مغاير للمدينة وبيئتها ذلك ان "الرشيدية مدينة الغبار والأسوار، وتصغير كل شئ، واحة نخيل، وأشجار زيتون نمت على امتداد ضفتي وادي زيز، بقعة خضراء بين جبال جرداء رضاضية اللون، كانت أرضا للفلاحين، وبالتدريج تحولت إلى مدينة للموظفين تقاطروا عليها من كل فج عميق."
وفي هذا الاطار أكد السينمائي عامر الشرقي ان الجنوب الشرقي كفضاء لا يمكن الا ان يغري بالحلم والخيال، ذلك ان العناصر الروائية والسينمائية تتوافر بالمنطقة بقوة الفضاء ، مضيفا ان هذا الفضاء المتنوع يغري باكتشاف فضاءات اخرى وهو فضاء يمكن أنسنته حيث الانتقال من فضاء معماري الى فضاء له روح ووجدان بالمعنى الفلسفي.
وهذا الفضاء أو الوجود الذي تسعى رواية " المرفأ الآخر" إلى تمثيله، كما يقول الباحث محمد أبركان، لا يمكن أن يحتمل إلا بعيشه فلسفيا وفنيا "أبدا لن يكف الفرح، ولن يدب إلى النفس إلا صوت الحكمة".لم يكن البعد الأسطوري ليغيب عن حضور شخصية هيلين التي هيمنت، إلى جانب عمر، على فضاء الرواية؛ ذلك ما يشهد عليه، سواء مسار حياتها في الرواية أو وصف السارد لملامحها "وكأنها قدت من أحد التماثيل اليونانية".
ولا شك أن حضور الجسد في هذه الرواية شكل إحدى الرهانات الأساسية بالنسبة للروائي كي يؤكد رؤيته الفلسفية، وهي الرؤية التي وجهت كتابة الرواية. وقد كان من نتيجة هذا ظهور شخصية أخرى ستمنح للتخييل على مستوى الجسد بعدا آخر؛ يتعلق الأمر بشخصية عمر، شاب مثقف، ينتمي إلى أفق ثقافي آخر، أفق الثقافة العربية الإسلامية، عاطل عن العمل، حاصل على دكتوراه في الفلسفة، يشتغل مستخدما بفندق في مدينة تراهن على السياحة كأفق للتنمية، وهي مدينة الرشيدية.
الرواية بالنسبة لحسن لشهب، الذي له اهتمامات ثقافية وجمعوية وعشق الثقافة والفكر منذ مراحل الدراسة الاولى ونشر أول قصة قصيرة " الاشباح الحية " في جريدة المحرر سنة 1978، " شكل يتأرجح بين السرد الروائي المهتم بالحياة اليومية وتفاصيل الشخصيات الروائية، والتحليل الفلسفي المبني على الانشغالات العقلية أو الذهنية المجردة" وهي "المرآة التي تنقل افكار ورؤى فلسفية لظواهر اجتماعية وشخصيات متخيلة".
فتكون الرواية الفلسفية بذلك، كما يقول لشهب، وسيلة ناجعة من وسائل تقديم الرأي الفلسفي، إضافة إلى تصوير وابراز الخيط الخفي الذي يربط بين الرأي الفلسفي وتأثيراته في حياة الإنسان اليومية ومتغيراتها المتعددة.
اختيار الشخصيات الروائية بالنسبة لمدرس الفلسفة، الذي عاش في طفولته لحظة الحكاية وفتحت عيناه فيما بعد على عالم الكتابة والرواية من خلال اعمال محمد زفزاف وعبد الله العروي وأحمد المديني وغيرهم الذين برزوا في تلك الفترة، لم يكن اعتباطا وانما أملته الرؤية الفلسفية للروائي الذي تميزت اعماله بحضور الثقافة المحلية والموروث الاجتماعي والوسط الفكري.
وحسن لشهب روائي وقاص ومرشد تربوي وعضو فرع اتحاد كتاب المغرب بالرشيدية، ينشر في عدد من المنابر الورقية والإلكترونية المغربية والعربية، يوجد له علاوة على "صخب الأيام" (رواية 2005) و"المرفأ الآخر" (رواية، 2009) و"مدارات الجنون وقصص اخرى" ( 2015) تحت الطبع مجموعة قصصية بعنوان "دوائر الصمت الزرقاء" وتحت الإنجاز "حوارات فلسفية"(ترجمة) و"نصوص مهاجرة" مختارات من القصة المغربية المكتوبة باللغة الفرنسية (ترجمة).
المصدر: و. م .ع