علي الحسني - الرشيدية
احتضنت الكلية متعددة التخصصات بالرشيدية، اليوم الاثنين، حفلا قرائيا لمجموعة من الاصدارات الشعرية والنقدية لباحثين وجامعيين.
ويسعى هذا اللقاء الثقافي، التي نظمه فريق البحث في البلاغة والأدب بالكلية ضمن سلسلة لقاءات الشهر في موضوع" قراءات في اصدارات"، إلى الإجابة عن كثير من القضايا العلمية، ذات المنحى البلاغي والأدبي، مستندا في ذلك إلى الكفاءة المعرفية والتجربة العلمية لأعضائه. إن فريق البحث في البلاغة والأدب يسعى إلى تحقيق الأهداف الأساسية الآتية والتفكير في بناء رؤية مستحدثة في تحليل الخطاب، تؤدي إلى تنوع الأسئلة، واختلاف الأجوبة، على قاعدة الانتماء إلى اللغة العربية وآدابها وتراثها العريق والمديد، في المشرق والمغرب.
كما يروم تقديم قراءة النسق النظري والمنهجي للإبداع الأدبي العربي، وبيان خصوصية المدرسة المغربية في ذلك، من خلال توليد حس نقدي تجاه الذات المعرفية العربية. فضلا عن المساهمة في تحيين آفاق توقعات التراث العربي عامة، والمغربي خاصة، وقراءته قراءة تروم الجمع والتوثيق والتحقيق والتصنيف والتأويل ومساءلة أهم قضايا المنهج في النظريات النقدية والدراسات البلاغية والأدبية وتطبيقاتها، وبيان علاقة ذلك كله، بحاضر المعرفة ومستقبلها في الجامعة المغربية.، سواء من الوجهة التجديدية، أم من الوجهة التأصيلية.
واستهل هذا اللقاء بقراءة للغالي بنهشوم في كتاب" نص القراءة لدى علماء الغرب الإسلامي"، لمؤلفه أحمد طايعي، والذي تناول بالدرس والتحليل الاعلم الشنتمري وهو علم من اعلام الفكر الاسلامي في القرن الخامس الهجري في مجال النحو واللغة .
وبعد أن اشار الى ان بعض الدراسات الاكاديمية التي انجزت حول شخصية الشنتمري لم تكن لتفي بالغرض المطلوب كما ان غياب دراسة رصينة ووافية تستجلي ضوابط القراءة لدى هذه الشخصية الفكرية ترك فراغا كبيرا في مجال البحث العلمي الاكاديمي، أبرز بنهشوم ان مؤلف " نص القراءة لدى علماء الغرب الإسلامي" استطاع أن يؤسس بعمله قراءة معاصرة للتراث من خلال استدعاء جهاز مفاهيمي جديد انبنى على التحليل والنقد والاستنباط والاستدلال ومن ثم وضع نص القراءة في "اطارها الصحيح"، مبرزا ان الطايعي سعى الى تأصيل الذات المغربية وخدمة الثوابت ورد الاعتبار للأدب المغربي.
واستعرض المحاضر في هذا الاطار ان هذا المؤلَّف الذي جاء في ثلاثة فصول "قراءة في القراءة" و"القراءة الموسيقية: المكون والسياق"، و"القراءة التوثيقية ومستوياتها" يروم تبيان العلاقة الناشئة بين المتلقي والمؤلف، عبر النص الإبداعي وبالدور الذي يلعبه نص القراءة في إنتاج نص الكتابة الأدبية بعامة، ونص الكتابة الشعرية بخاصة.
وشدد بنهشوم على الاهمية التي يكتسيها الاسهام في احياء التراث وتقريبه من الاجيال واثبات الهوية واخراجها من دائرة الاستهلاك الى دائرة الانتاج وضرورة تعميق البحث في التراث المغربي على ضوء ما استجد من علوم وقراءته قراءة متجددة من خلال نظريات ومناهج جادة.
أما مصطفى لفضيلي ، فأبرز من خلال قراءته " الشعر والمكاشفة/ قراءة في ديوان"أرخبيل الأحلام" لبشرى سعيدي، ان هذا الديوان "سفر للذات الحالمة في لحظات ضعف تبحث عما يدفئها، ينقلها من واقع موبوء إلى آخر مأمول، وأثناء رحلة السفر هذه تتعاورها لحظات مختلفة بين الانكسار والانتصار في واقع تعمل على إيجاده شعرا، بعد أن عز تحقيقه فعلا، مما يخلق توترا يتملك الشاعرة، فتجود قريحتها شعرا مفعما بالأحلام الوردية".
لذلك كانت الشاعرة "مهووسة بالبحث عما يعطي للحياة معنى، ينقلها من صورة كئيبة إلى أخرى وردية، مطيتها في ذلك قصيدة تحررت من كل القيود الخليلية، الأحلام سفر في أعماق الذات المشغولة بتحقيق ما عجزت عنه على أرض الواقع، أو قل هي جدار يحتمي به الإنسان عندما يصطدم بواقع يجده أقوى منه، وليضمن توازنه واستمراره، يقوم برحلة حلمية يصنع خلالها فتوحاته التي قد يحققها على أرض الواقع أو على الأقل يجعلها هدفا يعيش من أجله".
واكد الباحث، في هذا السياق، انه لذلك "نجد الشاعرة في هذا الديوان رحالة، تبحث هنا وهناك عما يضمد جراحاتها الوجدانية، ويطمئن نفسيتها المكلومة والمؤرقة بهموم تنأى الجبال بحملها، هموم تجمع الذات الفردية بالذات الجمال، وهو انشغال بالهم الإنساني، فهي تقوم برحلة صوفية تتدرج عبرها في مدارج الرؤية والإدراك ثم البصيرة".
وخلص لفضيلي الى ان ديوان الشاعرة سعيدي جاء مفعما بصور شعرية عميقة الدلالة، كشفت عن قدرة على صياغة الكلمة وإعادة تشكيل اللغة بما يسمح بنقل الهواجس وتصويرها.
بدوره، تطرق أحمد السعيدي لقراءة في كتاب "سؤال الحداثة في الخطاب الفلسفي لمحمد عابد الجابري" لإدريس جبري، مبرزا ان استراتيجية هذا المؤلف تقوم على اعادة قراءة الجابري قراءة نقدية، مشيرا الى ان جبري قدم بعمله اضافة نوعية في سلسلة الاعمال التي انجزت حول ذلك المفكر وقال بهذا الصدد ان سؤال الحداثة هيمن على مدى مسار طويل مليء بالعطاء والإنجاز يمتد من مساهمة الجابري في تقديم الفلسفة الغربية والفكر الإسلامي في مقررات الفلسفة للتعليم الثانوي إلى قراءته للقرآن الكريم في العقد الأول من القرن الواحد والعشرين.
من جهته، ابرز محسن موحوش في قراءته "حقيقة الشعر: من التصور إلى الانجاز/ قراءة في كتاب محمد الدناي : " نظرية الشعر لدى أبي العلاء المعري"، ان الدناي استطاع ان بحسه النقدي استكشاف عوالم شخصية المعري الخفية التي جمعت بين الصناعة الشعرية والصناعة النقدية على غرار شعراء اخرين امثال النابغة الذبياني وابن المعتز وحازم القرطاجني.
وقال رئيس فريق البحث في البلاغة والأدب، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، إن هذا اللقاء يأتي لترسيخ البعد الثقافي وانفتاح الكلية على محيطها الخارجي لكون الفريق سطر مشروعا ثقافيا طموحا على امتداد الموسم الجامعي، مشيرا الى أهمية مثل هذه المبادرات التي من شانها التعريف ببعض الطاقات الابداعية الشابة .
ودعا في هذا الاطار ، الى ضرورة العمل على تبني مخطط استراتيجي تنضوي في لوائه مختلف الإبداعات الأدبية والشعرية والفنية وكل ما هو ثقافي لتنشد بفضله التنمية والرقي إلى الأفضل، مبرزا أن هذه البادرة تروم بالأساس تطوير العلاقات العلمية بين الباحثين في مجال القضايا الثقافية والفكرية عن طريق تبادل المعلومات والتجارب، والانفتاح على مراكز البحث ذات الاهتمام المشترك، على المستوى الوطني والإقليمي والدولي.
المصدر: و. م .ع