علي الحسني - الرشيدية

 يحمل على كتفيه الكلام المقفى ولديه من الجرأة ما يجعله مقتحما لأي موضوع مسلحا بشعريته وتجربته الحياتية التي اكتسبها من غربته، إنه "مجذوب تافيلالت" عبد العزيز بنعيسى، الميكانيكي الذي وضع قيم الزمان في الميزان.

لم تحل دون بنعيسى، ابن مدينة مكناس صاحب الأضمومات الزجلية " صروف الميزان" و" طيور الليل" و"المجذوب" كما يحكي لوكالة المغرب العربي للأنباء، قسوة ظروف الحياة وضنكها من مواصلة تعلم حرفة تقيه شر الزمان  بعد أن غادر أسوار المدرسة في طور الابتدائي  لظروف خاصة ليلج عالم الشغل وهو طفل يافع.

 كنت اقضي أيام عطلتي المدرسية في ورشة لإصلاح السيارات في الحي الذي كنت اسكن به، يقول بنعيسى في عفوية وتلقائية، اكتسبت خلالها بعض أوليات العمل لأنتقل بعدها بسنوات الى ضواحي باريس بفرنسا، التي قضيت بها قرابة عقد من الزمن ، توزعت بين التكوين في مجال ميكانيك السيارات والاشتغال متنقلا من محل الى اخر .

في بداية ثمانينيات القرن الماضي غادر بنعيسى ديار المهجر حيث ظروف العمل الصعبة والقاسية علمته الشيء الكثير ليعود بعدها الى وطنه الام ويفتح ورشة خاصة به بمدينة الرشيدية.

الزجل بالنسبة لبنعيسى، العصامي الذي تعرفه الأوساط الثقافية المحلية بأنه "مجذوب تافيلالت"، لا يتطلب ثقافة واسعة و لا شهادة عليا بل دقة الملاحظة والبديهة وصدق الكلام في المبنى والمعنى اضافة الى القافية وحسن اختيار الموضوع.

اتقاد حسه ورهافة إحساسه، وولعه بفن الزجل على اختلاف مواضيعه، كان باديا منذ طفولته المبكرة، كما يقول بنعيسى، حيث "كنت أهوى الكلام المرصع بالمعاني الذي كانت والدتي تخاطبني به".

على أنغام الموسيقى التركية الصامتة والحزينة وفي ظلمات الليل يعتكف بنعيسى، المولع بالعزف على الة العود، مثل الناسك الزاهد في محرابه  ليخط خواطره الشعرية ويرجع الفضل في ذلك الى رفيقة دربه، يؤكد الشاعر، التي توفر له ظروف الابداع.

الزجل عند بنعيسى "مرآة تعكس ذاتي وصورة مجتمعي من الناحية الاخلاقية والسلوكية" ومن خلاله تتولد الطاقات الابداعية لفضح الفوارق والتناقضات الاجتماعية والبوح بما  يجيش بي  صدري الذي يعتصر ألما وحسرة على ماض مشرق ولى". انتقاده للقيم الاجتماعية والمظاهر السلبية التي لا تتناسب والسلوك المجتمعي الاصيل جعلت الشاعر بنعيسى ينحت قصائده من تلاوين عمق الحرف والكلمات المنفلتة من تجارب المعيش واليومي.

فأعمال بنعيسى، كما يقول الشاعر الزجال المهدي بوزكري،  وان كانت تعالج قضايا اجتماعية فقد وقف موقف المدافع عن الثوابت الثقافية المغربية ففيها درر وتحف ابداعية سطرها على شاكلة عبد الرحمان المجذوب وقدور العلمي .

"شاعر زجال بما تحمله الكلمة من معنى٬ يغوص في بحر الكلمة محملا أجنحتها هموم مجتمعه تارة باعتباره ناقدا وطورا باعتباره مصلحا" يضيف بوزكري، مبرزا ان تجربته الكبيرة وتجواله علماه الشيء الكثير٬ ما أهله ليخوض غمار الحياة بقلبه وعقله٬ كما أكسبته حكمة وأعطته دفعة قوية في الإبداع٬ وهو فضلا عن ذلك "يمتلك نظرة متبصرة وخيالا واسعا أكسبا هويته شحنة قوية".

إبداعات الزجال بنعيسى، الذي له  مشاركات في عدة تظاهرات محلية ووطنية كالمهرجان الدولي للشعر والزجل بالدار البيضاء وربيع الزجل المغربي الدولي بمراكش، ترصد التفاصيل الصغيرة وتعبر عن همومه وهموم الناس البسطاء بلغة بسيطة ساخرة مفعمة بالأمثال الشعبية الرصينة التي تجد صداها في الموروث الشعبي المحلي وهي تتميز بحمولة شعرية فنية وثراء دلالي.

سنوات عمره التي تجاوزت الستين، قضاها الزجال بنعيسى يترصد آهات الزمان واختلال القيم وغدر الاصدقاء وقلة الوفاء ونفاق الاحباب ...كما في قصائده " بنادم تبدل" و" أهل الوفا" و" مجذوب" و" لا تصحب الذيب" و"الزمان طويل" ..كلها مواضيع هي "بمثابة بداية في درب طويل أحاول فيه أن أكتب الشعر الذي أحسه وأدركه ومازلت أحاول.. وفي كل قصيدة أكتشف أنني لم أنتهي..".

اختيار الكلام أصعب من كتابته، يؤكد بنعيسى الحريص على أن يكون إضافة نوعية في المشهد الثقافي المحلي لمنح التجربة الشعرية خصوصيتها وخلق الانتظارية لدى القارئ.."أريد لقصائدي أن تحكي حياتي وتروي قصص الناس بمفردات والفاظ عامية تكتنز ذاكرة تراثية غنية".

"التهميش الذي يعانيه الشعراء والمبدعون بالمنطقة وغياب اطار يجمع المبدعين ويتبنى مشاريعهم شتت المجهودات الفكرية والثقافية وضيعت عليهم فرصة الخروج من بين الانقاض" يختم الشاعر بنعيسى الذي تحذوه الرغبة رغم انشغالاته العملية في تثمين وابراز الابداع المحلي في الملتقيات الثقافية .





المصدر: و.م.ع