أحمد امشكح 
ماذا تصنع النقابات في قطاع حساس واجتماعي اسمه التربية والتعليم؟ 
يبدو السؤال كاريكاتوريا ومستفزا. لكنه ضروري لفهم ما يحدث بين ظهرانينا.
قد يكون الجواب هو أنها مؤسسات منحها القانون تأطير المهنيين، والدفاع عن حقوقهم ومطالبهم من خلال الاحتجاجات والإضرابات.

لكن قضية اسمها التربية والتعليم ليست مجرد قطاع يجب أن تغرق نقاباته فيما هو مطلبي صرف يكاد ينحصر في هذه الملفات التي لا تنتهي مع الترقية، والحركة الانتقالية، والحق في الإضراب، ولكنها يفترض أن تمتد لقضايا أكبر وأشمل. ولذلك لم تخرج علينا واحدة من هذه النقابات التعليمية، التي نبتت كالفطر بعد أن وجدت الدولة أن صيغة فتح الباب لتوالدها هي السبيل لكسر شوكتها، بموقف من قضية الإصلاح الذي تراهن عليه المدرسة المغربية.

وإعلاميا على الأقل، لم يصل صوت النقابات إلى ما يجب أن يكون عليه وضع المدرسة اليوم، بعد كل هذه الجلسات التي عقدتها وزارة التربية الوطنية وفتحت فيها المجال لعدد من المتدخلين لكي يدلوا بدلوهم في الموضوع. كما لم يصلنا ما الذي اقترحته هذه النقابات على المجلس الأعلى للتعليم والبحث العلمي، والذي فتح هو الآخر مشاوراته. وبدا وكأن هذه المؤسسات الدستورية وجدت لكي تضرب وتنفذ الوقفات الاحتجاجية، لا لكي تقترح ما تراه بدائل.
قضايا التربية والتعليم تعني اليوم طبيعة البيداغوجيا التي نريد. وتعني واقع المدرسة العمومية التي دخلت في رهان قوة مع المدرسة الخصوصية، في الوقت الذي يجب أن يكونا أختين شقيقتين تكمل الواحدة الأخرى. وتعني ظروف التمدرس للمدرس وللتلميذ أيضا.

وتعني فوق كل هذا، معارك لا تنتهي انطلقت اليوم بمشروع «مسار» الذي أخرج التلاميذ للاحتجاج حتى دون أن يعرفوا تفاصيله. وكما أن مصالح وزارة بلمختار مسؤولة عن هذا الفقر في تواصلها بشأن هذه القضية، تتحمل النقابات التعليمية المشتغلة في القطاع المسؤولية الأكبر، لأنها هي الأقرب إلى الموضوع، وهي التي كان يفترض أن تفتح أبواب مقراتها، المغلقة دوما، لشرح وتفسير مقتضيات هذا « المسار»، قبل أن تحمل ضده معاول الهدم، إذا كان يستحق ذلك.

ثم لماذا يجب على النقابي أن يكون مجرد محرض، أو لنقل مؤطرا، للمعارك التي يعتبرها مشروعة، وبعضها كذلك على كل حال، دون أن تكون له الشجاعة الأدبية لفتح ملفات ذات صلة بما هو تربوي؟ فهذه الدروس الخصوصية، التي أثقلت كاهل الآباء والأولياء، والتي لا يستحيي البعض من فرضها حتى على تلاميذ الصفوف الابتدائية، ألا تحتاج لوقفات وإضرابات واعتصامات ضد من حولوها إلى سوق تباع فيه النقط وتشترى؟.

اليوم، وفي كل المدن والقرى والمداشر، هناك «كاراجات» وحوانيت تفتح أبوابها عند المساء لاستقبال التلاميذ الذين يجب أن «يستفيدوا» من هذه الدروس الخصوصية بالمقابل، ضدا على رغبة التليمذ الذي يقول إنه يحضر فقط لكي يضمن نقطته. ولم يعد الأمر سرا أن تجد مدرسا يقضي بياض يومه، وسواد ليله أيضا، في التدريس سواء في مدرسة عمومية، أو في «كاراج» خصوصي، دون أن يجد من يقول له كفى من هذا العبث.

ولأن النقابات التعليمية، سواء تلك التي تعتبر نفسها أكثر تمثيلية أو أقلها، يعنيها حاضر ومستقبل المدرسة، فقد كان لزاما عليها أن تقول شيئا في حق هذه القضية التي هي واحدة من الاكراهات التي تقف حاجزا أمام تحقيق الجودة التي ننتظرها من تعليمنا.

ثم ألم يكن من الواجب على هذه النقابات أن تدخل على خط هذا « المسار» الذي أخرج التلاميذ للاحتجاج، وجعل الآباء والأولياء حائرين لا يعرفون حدوده، ولا يفهمون كل خلفياته، لتقول كلمتها، وتفتح أبواب مقراتها للشرح والتفسير.
إنها بعض القضايا التي لا يجب أن تلصق دائما بمصالح الوزارة. فمسؤولية النقابات المهنية ثابتة فيها.
بقي فقط أن نذكر أن بعض المحتجين على « مسار» رددوا شعارا غريبا يقول « هاذا عار..هذا عار..الكسول في خطر».
هل جاء «مسار» ضد الفشل الدراسي؟ الجواب يفترض أن تقدمه مصالح وزارة بلمختار، ومعها النقابات التعليمية أيضا.

المصدر: المساء