زايد جرو - جديد انفو
نساء المغرب العميق هن شريكات وشقيقات الرجال في تحمل أعباء الحياة، لم تفكرن ذات يوم أن تكنّ منافسات لهم، ولا أن تتشبهن بهم أو الرقي لمستواهم ،سواء كان هذا الرجل متعلما أو لا يدري من أين يأتي للحروف لفك شفرتها، تستيقظن باكرا ولم تتعلمن ولا تعرفن للراحة سبيلا حتى يرحل النهار صيفا و شتاء ،ولا على أجسادهن غير خرق خفيفة، ولا على لسانهن غير الحمد والشكر.
كلمة " أرياز" أو كلمة رجل عيارها ثقيل ، ومكان جلوسه فيه هيبة، ووقوفه فيه رحمة، وانكساره خيبة ،لا تكسر المرأة خاطره ، ولا تعتبره ندا ولا خصما ولا عدوا ولا ترى في القضية قضية حقوقية أوعبودية، بل سلوكها تربية تم نقلها من جيل لجيل بالتوارث، لها غيرة كبيرة على بيتها الطيني البسيط الذي تحوم من حوله كل أشكال الزواحف، ولها على أبنائها وعلى كل ما يوجد في البيت حتى المتاع البسيط منه حرقة .
الدواب التي تعايشت وتقاسمت معها البيت لها في القلب مكانة كمرتبة الأبناء رغم تعددهم، ولا ينقص هذه الدواب غير الاسم العائلي والبطاقة الوطنية وكناش الحالة المدنية، فهي جزء من اهتمام المرأة الواحية والجبلية، ولا يهدأ لها بال إلا إذا كانت سليمة وبطنها شبعان وملآن، ولا تنام إلا بعد الاطمئنان ، فكم من أم شوهدت وهي تذرف الدموع حين تغادر البقرة أو النعجة البيت نحو السوق الأسبوعي ،وكم من أم مرضت لأيام ،بفراق صديقتها البقرة، حيث ألفت الكلام معها والجلوس بجانبها . أما إذا مات دابة من دواب البيت فكأنها فقدت أحد أبنائها ،فلا تكف عن البكاء وينكسر خاطرها أياما ،فلا طعم للأكل، ولا لذة في الضحك ولا متعة في الكلام ،الدموع تسيل انهمارا بحرقة حارقة، وتنزوي أياما وأياما، وحتى لو جاد الأب و اشترى ما تم فقده فقد يبقى الألم دفينا لسنوات.
هن نساء طيبات عفيفات شريفات صابرات على الفقر والبؤس ،والدهر يجود ويشح و يعطي ويأخذ ،وحالهن لا حال بأعالي الجبال وبالسهول والوهاد والوديان.