حمداوي سيدي محمد - الرشيدية / جديد انفو

نظرا لما كانت تزخر به منطقة مدغرة  ضواحي مدينة الرشيدية من حركة فكرية وعلمية منذ القدم رسخت وأباحت إحياء بعض المحافل التاريخية والدينية درءا للبدع ومظاهر التطرف الفكري.

فمن جملة هذا الموروث، الاحتفال بذكرى عيد المولد النبوي الشريف الذي كان المغاربة هم السباقين لتخليده ، يقول ابن مرزوق في المسند الصحيح الحسن:( هذه مكرمة خص الله بها هذه المملكة الشامخة والسلطنة المرينية ، وإن حكاها غيرهم فما أشبه ولا قرب…). وقد ذكر السيوطي في رسالته ” حسن المقاصد في عمل المواد ” أسماء ثلاثة أعلام من المغاربة الذين استحسنوا عمل المولد النبوي وهم : أبو الخطيب ابن دحية و الطيب السبتي ثم محمد بن محمد بن محمد بن الحاج العبدري الفاسي نزيل القاهرة والمتوفى بها سنة737هـ.

أعطى ملوك الدولة المرينية اهتما كبير للاحتفال بهذا العيد، فأول من ندب بهذا الاحتفال هو القاضي أبو العباس احمد ابن القاضي محمد بن احمد اللخمي العزفي السبتي المتوفي سنة633هـ/1236م لما رأى المسلمون يتبعون المسحيين في احتفالاتهم . ويذكر ابن جابر المتوفى عام579/1183م في رحلته أن مقام مولد النبي صلى الله عليه وسلم بمكة المكرمة يفتح في شهر ربيع الأول ويوم الاثنين منه بالخصوص فيدخله الناس كافة، وقيل أن يوم المولد النبوي يتخذ عطلة بهذه المدينة وتفتح فيه الكعبة المشرفة ليؤمها الزور.

و بعد تنصيب أبو القاسم محمد العزفي أميرا على سبتـة عام 648هـ/1250م والى حدود وفاته عام677هـ/1279م كان رحمه الله يحتفل بذكرى عيد المولد النبوي الشريف،  إذ يقدم لأهل بلده أنواع الطعام و يوثر على أولادهم ليلة العيد بالنقود فتطوف “المحضرة ” في الأزقة تصلى على النبي و طيلة يوم العيد لا تنقطع الألسن في  مدح النبي وبإطعام الخاص والعام، وقد أتم رحمه الله كتاب والده المسمى: ” الدر المنظم في مولد النبي المعظم ” وأهدى منه نسخة للخليفة الموحدي عمر المرتضى الذي يحي ذكرى المولد النبوي بمراكش ويقوم أحسن القيام .

أما في العهد المر يني، كان يعقوب بن عبد الحق يقيم ليلة المولد النبوي بفاس ويستمع إلى قصائد الشعراء وكلمات الخطباء، ثم أحدث ابنه يوسف تعميم الاحتفال في جميع جهات المغرب عام691هـ/1292م وقد أضاف أبي سعيد المريني الاحتفال باليوم السابع .

وفي عهد السلطان أبي الحسن وابنه أخد هذا الاحتفال طابعا تاما وأصبح السلطان يقيمه في الحضر والسفر وكان الاحتفال يتميز ب :

         - إعداد المجلس وإظهار الزينة.

         - إحضار أنواع الطيب والبخور

         - تقديم أنواع المطاعم والحلويات.

بعد صلاة المغرب ونافلتها يقصد الملك المجلس ثم يقدم الطعام و الفواكه الطرية فالفواكه اليابسة ثم الكعك والحلويات… ويكون الإطعام بعد صلاة العشاء ليتلوا ذلك قراء العشر بترتيل حصة من كتاب الله وبعدها الإنشاد من قصائد المديح يليها سرد للمعجزات النبوية ثم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم…

فمن المغرب نقل هذا الاحتفال إلى أقطار المغرب العربي، وقد دأبت الدول المتعاقبة على حكم المغرب منذ العهد المريني إلى عهد دولة  العلوية الشريفة على تخليد ذكرى مولد الرسول الأعظم على نهج الأسلاف, والجدير بالذكر أن ما وجد بمنطقة مدغرة والى عهد قريب من إقامة الاحتفال بذكرى عيد المولد النبوي هو مطابق لما جاء به السلف الصالح . وقد مدح النبي صلى الله عليه وسلم عدد من العلماء بالمنطقة منهم أبو محمد عبد الله بن على بن طاهر نزيل قصر أولاد الحاج والمتوفى به سنة 1045هـ  والذي له ديوان في هذا المجال ، وقد اطلعنا على فتاوي له في هدا الشأن في بعض المخطوطات المحلية لأحد تلاميذه يرجع تاريخها لعام 1040هـ. وكذا مدحه مولاي العربي بن محمد بن قاسم المدغري دفين مقبرة البقيع بالحيبوس .

بعد ذكر مقتضب لتاريخ الاحتفالات بذكرى عيد المولد النبوي الشريف وددنا في الأسطر القادمة أن نشرك معنا القراء بعضا من أجواء عيد المولد النبوي الشريف برقعة من مدغرة قاومت هي الأخرى لتتشبث بتراثها  و نعم التراث إن كان بمدح الرسول أزكى الصلاة و السلام عليه و هي قصر أولاد الحاج.

 عيد المولد النبوي الشريف بأولاد الحاج:

منذ بزوغ هلال  ربيع الأول والى ليلة المولد النبوي الشريف، وقصائد الهمزية والبردة و الأمداح النبوية تردد بالمساجد  في حلقات مستديرة مابين العشائين… حلقات تجمع عددا من الفقهاء و العامة وكذا الأطفال ، يرددون الأبيات بأصوات مرتفعة ، خاشعة تسموا بالروح إلى أعلى مراتب العُبّاد.

تختم هذه الحلقات بالدعاء بالرحمة للوالدين وبعد الانصراف من صلاة العشاء يردد الجمع أبيات شعرية تحذيرية للمدخنين ولغير المصلين بأن لهم الويل يوم القيامة بترانيم خصت أهل هذا الربوع عن غيرها.

وموازاة مع احتفالات الرجال،  فالنساء لهن أيضا مظاهر للفرح و الحبور بهذه المناسبة ، فطيلة هذه المدة – من فاتح إلى ثاني عشر من ربيع الاول- يزغردن في شرفات الأبراج  و نوافذ الدور عربون عن مولد سيد البشر… فيعملن جماعات لصنع العجائن (الطعام، الشعرية…) وهن يرددن الأمداح النبوية والأذكار والتي تقدم كفطور للخاصة والعامة صباح يوم العيد.

لا تتوالى أي فئة من المجتمع المدغري عن الاحتفال بهذه المناسبة كل على شاكلته ، فلأطفال متعة الاحتفال بالعيد كذلك ، يصنعون من القصب والورق لعبا على شكل مروحة ما يعرف عندهم باللسان العامي ( الفرفرة- الطبيڭة) والتي يلهوا بها الأطفال صبيحة العيد عربونا عن فرحتهم بمولد البشير، وتوضع كذاك على رأس” الأعلام ” مما يزيدها جمالا ورونقا…

صبيحة يوم العيد بعد صلاة الصبح تشرع جميع الطرق الصوفية  في ترتيل أذكرها  و أورادها وبعد إتمام  ” وظيفتهم” يجتمع الجميع في تلاوة  موحدة  لقصيدة الهمزية، تختتم بمأدبة في رحاب المسجد من صنع نساء القصر. ليخرج المحفل لاستقبال  ” الأعلام ” التي صنعتها النساء  بعد صلاة الفجر فأقمن لها طقسا خاصا  لتزيينها ، هناك من يصنعن ” أعلاما ” من القش وأخر من ثوب ابيض وهي رمز لكل مولود ذكر ازداد مابين المولدين .

وبعد تجميع ” الأعلام ” يسير الموكب في اتجاه ضريح أبو محمد عبد الله بن على بن طاهر للزيارة, والترحم على الموتى ، واخذ الموعظة ، مرددين الأمداح النبوية خصوصا منها لابن الخطيب وغيره ، وقد جرت العادة  أن الموكب يذهب من طريق ويرجع من أخر .

ينتهي الحفل بالعودة إلى مدخل القصر والدعاء للحضور ولأبنائهم ولولاة الأمور ولكافة المسلمين… فينصرف الجميع الى زيارة الأقارب و الأحبة.

يؤرخ هذا اليوم لميلاد رسول الله صلى الله عليه و سلم و في نفس الوقت لموعد تلميذ يلتحق لأول مرة بصف الدراسة بالمسيد ، يلبس الطفل ملابس جديدة ( السلهام، الفوقية، الفرجية) فيحمله احد أقاربه من الذكور فوق ذراعيه  مع اللوح وآخر حاملا آنية من العسل وأخرى من السمن والخبز والمرق في موكب اتجاه المسجد وهم يرددون أبيات شعرية منها : باسم الله يا فتاح القلوب *** علمنا يا علام الغيوب…

يدخل الصبي المسجد فيقبل يدي الفقيه الذي يدعو له بالصلاح والنجاح و يتناول شيء من العسل والسمن ، و بهذا يبدأ مشوار طالب علم حديث.