تسود عند القبائل الأمازيغية في الجنوب الشرقي المغربي معتقدات يتداخل فيها الديني بالخرافي-الأسطوري و من أمثلة ذلك "تيوورا ن يكنا" التي تعني "أبواب السماء",حيث يفيد هذا المعتقد أن أبواب السماء تنفتح في ليلة القدر ليستجاب للدعوات و الأماني,فتجد معظم الناس ينتظرون هذه الليلة بفارغ الصبر لعلهم يكونون من المحظوظين فتنشق لهم السماء ليطلبوا ما شاؤوا و الذي هو حسب اعتقادهم محقق لا محالة.

و كي تنفتح لك السماء-وفق نفس الاعتقاد-,فلابد من توفر شرط التقوى و الورع و الزهد في الدنيا و الإيمان الكامل و القبلي بصحة هذا المعتقد و بأن كل ما ستطلبه سيتحقق,و تبعا لذلك فإن "تيوورا ن يكنا" لا تنفتح لكل من هب و دب,بل للأخيار الأتقياء دون غيرهم,لذلك ليس غريبا أن يسارع الأهالي لفعل الخيرات بالتصدق على الفقراء و تجنب الكلام الفاحش أو الاعتداء على الغير أياما قبيل الليلة الموعودة,غير أنه في مناطق أخرى(كما هو الشأن عند أيت سدرات) فإن أبواب السماء لا تفتح في وجه الأخيار فقط,بل حتى للأشرار و الزنادقة و الفساق,و الفرق أن الأوائل يرون عند انفتاحها أشياء جميلة كالأنهار الجارية و كنوز الذهب المكدسة و الأموال و جميع أنواع الفواكه و الأطعمة اللذيذة و المروج الخضراء...(فيما يشبه الجنة),أما الأشرار فتظهر لهم الأفاعي و هي تسعى و النيران الملتهبة و الوحوش الضارية... (فيما يشبه جهنم),و إذن فانفتاح السماء في كلتا الحالتين إما بالخير أو بالشر بمثابة إخبار مسبق للمعني بالأمر بما سيكون مصيره في عالم ما بعد الموت !

المثير للاهتمام هنا,أن الكثيرين يربطون انفتاح أبواب السماء الراسخ في أذهان الناس حد اليقين ليس في الجنوب الشرقي فحسب,بل في مناطق شاسعة من المغرب و حتى في دول إسلامية أخرى بالدين الإسلامي,دليلهم في ذلك ما ورد في القرآن الكريم من وصف لليلة القدر حيث تنزل الملائكة و الروح من السماء و حيث كل ضوء في هذه الليلة لا يصدر عن برق أو نيزك يعتبر من علامات ليلة القدر كما أكد عضو مجلس الشورى والمستشار القضائي بوزارة العدل السعودية الشيخ عبد المحسن العبيكان في مقال إخباري نشرته قناة العربية على موقعها يوم الأحد 7 أكتوبر 2007 بعنوان" أهالي قرية سعودية يؤكدون مشاهدتهم "علامة ليلة القدر"".

غير أنه وجبت الإشارة إلى أن اعتقادا مشابها إلى حد كبير ل "تيوورا ن يكنا" و "لليلة القدر" كان سائدا عند الفراعنة قبل ظهور الإسلام بقرون طويلة,و الغريب أن المصريين القدامى كانت لهم نفس الشروط بأن السماء لا تجود بفتح أبوابها إلا على الأخيار الذين اصطفاهم الإله الأعظم ليكونوا من المنعم عليهم في الدار الآخرة و في ذلك يقول صبحي سليمان في كتاب له بعنوان "أسرار الهرم الأكبر"ص36 و 37"ورد ذكر ليلة الرؤيا التي تعلن مولد الصبيان و بعث الحياة في أكثر من بردية من برديات متون العقيدة,و ما نسج حولها من أساطير و خوارق,و تصف إحدى برديات أساطير العقيدة معجزة الرؤيا بقولها:إن الإله العظيم "رع"رب الأرباب يعبر سماء مصر في ليلة عيد الخلق فوق سفينته المجنحة...تحيط به ملائكة العرش و التكوين الثمانية فترسو السفينة فوق قمة الهرم الأكبر فيجلس الإله على عرشه ليلقي نور وجهه على واجهة الهرم ثم يضرب الواجهة بصولجانه فتظهر المعجزة الإلهية عندما يشطر واجهة الهرم إلى شطرين",ثم يضيف"كما ورد ذكر انشقاق الهرم في إحدى برديات السحر في عصر الأهرام التي تصف معجزات الهرم الأكبر الذي تنشطر واجهته إلى شطرين في ليلة معينة من ليالي الربيع و يعبر عنها ب"ليلة القدر"و هي اللية التي خلق فيها الإله الأعظم الأرض,و بعث فيها الحياة و قدر للكائنات مصيرها و لا تتأتى رؤية تلك المعجزة إلا لمن ينعم عليه الإله و من يحظى برؤيتها يكتب له الخلود في العالم الآخر",إلا أنه و حسب نفس الكاتب فإن فلكيين بريطانيين توصلوا إلى تفسير علمي لانشقاق الهرم,إذ أكدوا أن لا علاقة لذلك بمخلوقات غيبية على عكس ما كان يعتقد.

و في معتقدات بعض الديانات القديمة ظلت السماء عالما علويا تسكنه الآلهة(آلهة السماء) و ترفع إليه الأرواح,و في الديانتين اليهودية و المسيحية"فالسماء هي غاية الإنسان القصوى حيث فيها يحقق أعمق رغباته و السعادة الفائقة و النهائية و فيها تعيش الروح في نعيم لأن فهمها لله يزداد و تشعر أنها أقرب إليه" كما جاء في مقال بعنوان"رأي الكتاب المقدس في السماء",منشور بموقعJw.org.

كل الذي تقدم يظهر لنا أن الاعتقاد بأن السماء عالم مسكون و "آهل" بمخلوقات غريبة قديم قدم الإنسان نفسه,كما يبين أن السماء اعتبرت على مر الأزمان عالما غامضا حافلا بالأسرار,عالما استهوى الإنسان الذي تطلع إليه و نسج حوله الحكايات و الأساطير و عمل على إرضائه بالدعاء تارة و بتقديم القربان تارة أخرى,حتى يجود عليه بخيراته.و بالتالي يمكن القول بأن انفتاح السماء لم يكن متأصلا بظهور الإسلام كما هو شائع.

و ارتباطا ب "تيوورا ن يكنا"(أبواب السماء),فإن بعض الناس يؤكدون و يقسمون بأغلظ أيمانهم أنهم شاهدوها بأم أعينهم و هي مفتوحة,و يصفون شعورهم في تلك اللحظة بأنه مزيج من الخوف و الفرح مما يصيب المرء بالارتباك و الحيرة  خاصة و أن انفتاح السماء يكون فجائيا و بلا سابق إنذار و لا يدوم سوى دقائق معدودات,فيتسرع المرء في "تقديم الطلبات" حتى إنه قد يطلب عكس ما يتمناه كما حصل لإحداهن و كانت مؤمنة,ورعة,زاهدة-تقول الرواية الشفوية التي تتوارثها الأجيال- أنها بينما كانت تطل من كوة في بيتها تراقب السماء في ليلة القدر لعلها تحظى بانفتاح أبوابها لها و فجأة انشقت السماء في وجهها فأصيبت بالذعر و الفرحة و الذهول و قد كانت أكبر أمنياتها أن يطيل الله شعرها حتى يصبح أطول من شعور كل نساء قريتها و عوض أن تطلب ذلك طلبت من الله أن يطيل رأسها و هو الأمر الذي استجيب له حالا فعلق رأسها في الكوة,و بناء على هذا الرواية فإن أكبر نصيحة يقدمها من مروا من نفس التجربة لمن ينتظر انفتاح السماء في ليلة القدر هي التريث و ضبط النفس و لم لا إعداد لائحة المطالب و المتمنيات و إلا حصل لهم ما حصل لصاحبة "الرأس الطويل" !!

اليوم و رغم أن مثل هذه المعتقدات في زوال مستمر بفعل تحسن المستوى التعليمي و خاصة في صفوف الشباب و التطور التكنولوجي و ظهور نظريات علمية تفسر الظواهر الفلكية و الطبيعية و الجوية تفسيرا علميا,إلا أن "تيوورا ن يكنا" مازالت "تراثا شفويا" تتناقله الأجيال و تحكي عنه الكثير حتى و إن صار جيل اليوم غير مقتنع بصحته.