محمد بوطاهر

لم تعد الوصاية على فهم أمُور السّياسة حكرا على النخبة الجاثمة فوق سُدة الكراسي السّياسية، بل أصبحت حديث العامة؛ المتفقهين في علم السياسة والمُتسكعين عند أبوابها وعوام الناس. ففي مثل هذه الأوقات التي تسْبق حُمّى الانتخابات، تنتعش الذاكرة السّياسوية وكثير من الطفيليات التي تصْحبها، مُحدثة جلبة وجربة لا حُدود لها. لذلك يظل التغيير السياسي المنشود مُعطلا رغم الخوض في حديثه، خاصة في درا تافيلالت التي أضْحت مرتعا للصّنف الأول من المتسكعين والهائمين على وجوههم بحثا عن لقمة سائغة تجود بها الجيُوب السّياسية المنتفخة أو بطون أصْحابها الذين لا يرون في حرف دال (درا تافيلالت) إلا خاء، لشدة سواد الفعل السّياسي في المنطقة، وبوار كل المخططات التنموية المتشدق بها عند الزعماء.
 
في الجنوب الشرقي، يظل التغيير قاصِرا عن تحقيق الهدف، بلْ عن تجسيده أولا كتغيير (طفرة)، وذلك لأسْباب عديدة يتداخل فيها الذاتي بالموضوعي، ولعل (حركة شباب التغرير أو التغيير عفوا) التي صاحت في الآونة الأخيرة بضرورة (الشونْجْمُو)، خير مثال على ضُعف التصور والإنجاز السّياسي في المنطقة ، وإذ لسْنا هنا لإحصاء نواقص الحركة وانتقاد مُجانبتها للصّواب في كثير من النقط الأساس، إلا اننا نسُوقها مثالا لما نصبُو الى تأكيده والمُحاججة عليه، فبعدما كانوا يرفعُون شعار التغيير الحقيقي والشك في الأحزاب التقليدية ونعتها بكونها السّبب في تعطيل قاطرة التنمية، ثم النفخ في المُستوى التنظيري (الميتا فيزيقي) للحركة لدرجة ايهام العامة من الشباب انها تغيير حقيقي يجُبُّ ما قبله ويصْنع طريق الأنوار الصّحيح في سياسة تدبير المنطقة، أضْحى في ملتقاه الأول أمْس البارحة يسْتجدي تزكيات الأحزاب التي ينعتها بالأمس القريب بالهرمة النخرة التي يجب وأدها، بل وصل به الحال إلى مُغازلة بعض الجهات و الهجوم على أخرى إرضاء للأولى وايحاء إلى التقرب منها زلفى وحصانة.
 
إن مثل هذه التصرّفات الشبابية الطائشة، وغيرها كثير من نوايا إقصاء شرائح شبابية كثيرة والقفز الى الأمام دون تقبل المُلاحظات والمُشاركات التي قد تختلف مع التصوّر المُحنط الذي تفضل به ثلة من الشباب الذين نزكيهم كأشخاص و نشك في قدرتهم على إحداث التغيير المزعوم تدبيرا سياسيا، نظرا لحداثة سنهم في المجال السّياسي وقلة باعهم في (دجل) السّياسيين ونفاقهم، مثلُ هذه التصرفات لا تخدم المُؤمّل عند أهل الجنوب الشرقي، وأقصى ما يمكن أن تحدثه من تغيير لا يتعدى هندام مُتزعمي الحركة وسياراتهم، وربما زوجاتهم أيضا ومقاهي جلوسهم إسْوة بمن سلف.
 
التغيير الحقيقي يا صاح، يلزمه البناء السّليم والنية الصّادقة، وليس التعالي والشمُوخ على حساب النقيض أو أساسات البناء القديم، صحيح أن التغيير السّياسي لا يمكن القيام به إلا من داخل البوثقة السياسية نفسها بمرّها وحُلوها - وهو رأي عبرنا عنه منذ البداية حين تم اسْتعداء الأحزاب التقليدية، وأكدنا حينها أن الحكم على الشيء فرع من تصوره - وأنه لا يُمكن من زاوية اختلافنا مع أحزاب الحكومة ( العدالة تحديدا) أن نبني تصورا مُضادا وفقه، ذلك زيغ في الرأي وبُعد عن البناء الصّحيح للفعل السّياسي، بل مُمارسة سياسية عاطفية غالبا ما ستذرُوها الرّياح سَريعا دُون أثر. إن حاجتنا في الجنوب الشرقي اليوم مُلحة إلى الحِوار الصّادق البعيد عن نفحات العرقية والقبلية والطبقية الاجتماعية التي لا تعترف إلا بالمُوظفين وأشباحِهم، في إشارة منهم إلى أن السّياسة فن النخبة وعويصٌ سلّمُه لا يرتقيه إلا من ورثه من المُستعمر أبا عن جد. إن شباب المنطقة واعون بمكر كل الحركات التكعْريرية التي لا تختلف عن مطامع القدامى إلا في الشكل وطرق الصّيد، لذلك نسجل باستمرار عزوف الناس عن كل هذه المُبادرات الموبُوءة التي لا يتبع جعْجعة بداياتها إلا سُكون نهايتها.
 
إن إعادة الخطابات الجوفاء القديمة في امتلاك درعة تافوناست للطاقات الشابة والموارد الكفيلة بتحقيق فعل التنمية تظل كلاما ( باسْل وخاوي ) ويفتقد إلى ملح يسْتحليه، مالم يكن الصّفاء السّياسي بين الحلفاء والخصُوم والايثار بين أبناء المنطقة ونبذ الاقصاء، ثم الايمان بأن التغيير فعل جُمْعي لا يخصّ أحدا دون غيره، والجميع سَواسِة أمام إنجازه كل حسب قدراته وامكاناته، أما الوصاية على الشباب والحديث باسمهم ضمن مجالس النخبة النخرة لغايات مخصُوصة، فلا يخدم الواقع، بل يزيده تأزما، خاصة حين يعلم التماسيح السّياسية العظيمة أن الشراغيف كلّتْ ولم تستطع تحقيق شيء ، آنئذ تتحرك لتلتهم الأخضر واليابس من جديد وتعيد لنا مشهد السّنين العجاف التي قد لا يتبعها أبدا عام يغاث فيه الناس، ليتواصل المشهد الاجتماعي المختنق وينبتُ الربيع فوق دمْنة التنمية في الجهة في انتظار موعد انتخابي قادم .
 
(ج 1(يتبع))