كتب بيتهوفن عن الموسيقى " الموسيقى وَحْيٌ يعلو على كل الحِكم و الفلسفات"، أضيف، " الفن الناضج عندما يوظف لخدمة قضية إنسانية يرتقي و يعلو فوق جبروت المتسلطين".

يشكل الفن بكل أنواعه من موسيقى، مسرح، صباغة ورسم... أحد أشكال التعبير، شأنه في ذلك شأن الكتابة و التظاهر... إذ يعتبر رؤيا للعالم، للإنسان و وسيلة للتعبير عن قضاياه، مشاكله و همومه وأداة للرفض و عدم الانصياع وفضح تناقضات الواقع المزري المعاش.

لقد ساهم الفن في التعريف بمعانات المحرومين والمهمشين عبر تاريخ البشرية وكان الفن عاملا حاسما في نجاح الانتفاضات والثورات التي عرفها التاريخ الإنساني، التاريخ غني بالتجارب التي كان فيها الفن وسيلة ناجعة تحكمت في مصير شعوب بأكملها (عصر الأنوار مثلا).

إن الفن عندما يوظف لخدمة قضية نبيلة، يجب أن يكون في مقام تلك القضية ، أي أن يساهم في تبسيط رسالة تلك الشريحة المتضررة، أن يكون حاملا و وعاء يستطيع من خلاله المتلقي أن يحيط بتلك القضية النبيلة. ليس فقط في المظهر و إنما أيضا في مضمون و محتوى الرسالة الفنية.

في الآونة الأخيرة أصبح الفن، و خصوصا الموسيقى، يشكل جاذبية لاستقطاب الشباب إذ أصبحت الساحة تعُجُّ بالمجموعات الغنائية، التي كانت واعية تمام الوعي بالقضية الملقاة على عاتقها، و التي تكلفت بنقل رسالة تلك القضية للأجيال الصاعدة، و إن كان ينظر إليها على أنها تجاوزت حدود اللاّزم و أصبحت تتكاثر بدون سابق إنذار...ليس العيب في الكم الهائل من المجموعات، لكن النقص الحاصل سواء على مستوى الإيقاع، على مستوى اللحن و عدم خلق توازن داخلي على مستوى الآلات الموسيقية يشكل نقصا في حد ذاته و طفرة يجب استغلالها في جانبها الايجابي، و يمكن إجمال النواقص إن قلنا فراغات، يجب ملئها و تقويمها في ما يلي :

1. أن أداء هذه الفرق الموسيقية مازالت بصفة عامة تتفاعل مع الكلمات أكثر مما تتفاعل مع الموسيقى، أي تجد الكلمات و النص الموسيقي مليء بالصور الشعرية، لكن جودة الإيقاع و الألحان يعتريها نقص كبير...و الدليل واضح للعيان، فما يجمعه هذا النوع مقارنة مع الموسيقى ذات الإيقاع الراقص لا يساوي ربع ما يجمعه موسيقيون يتقنون الأداء بإيقاعات راقصة.

2. ضعف التعامل مع الآلات الموسيقية، سواء منها التقليدية أو العصرية و عدم تنويعها، فلا يعقل أن تجد مجموعة غنائية بكاملها تعزف على نفس الآلة، من هذا المنطلق، وجب تطعيم الفرقة بآلات أخرى لخلق "ستيل" يتناسب و تطلعات الجمهور.

3. انزلاق أغلب الفرق الموسيقى إلى تناول موضوع محدد و بنفس اللحن، أي أن هناك تشابه كبير إذ بمجرد الاستماع لكل الفرق، تستمع لنفس الكلمات تقريبا و لنفس الألحان. و هنا يجب التفكير في دراسة الموسيقى و التفرغ لها لمن يرى نفسه مؤهلا لهذا الفن للإحاطة بالأنغام و الأوزان و التوزيع الموسيقي بغية الرفع من الأداء.

4. التسرع في الإنتاج، إذ لا يفصل بين الألبوم و الألبوم إلا وقت ضئيل بالمقارنة مع حجم الرسالة و الأداء، و هذا ينعكس سلبا على المنتوج، فالفنانون الكبار ينتظرون أعواما و ربما عقود لطرح جديدهم، لكن هذا المنتوج يلقى إقبالا و يبحث عنه الجميع " بالريق الناشف".

ختاما، ليس كل من يحمل الآلة الموسيقية للشهرة، و "اللهو على إيقاعات المراهقة" فنان، لكن من يحمل الآلة الموسيقية، وهو ملم بالإيقاع و الوزن و اللحن و هو واع بأن شعبا لا يستطيع التعبير ينتظره أن يحمل همه و مشاكله و يوصلها إلى العالم.