في مجتمعي لكل شيء معنيين, معنى حقيقي لا يليه حقه إلا من عرفه, ومعنى مزيف حملته العامة الغالبة من الناس وتباهت به كما لو أنه المعنى الحقيقي للشيء.السيارة بدل أن تكون وسيلة نقل أصبحت وسيلة للتشهير بالمدخول الشهري ,والمدرسة بدل أن تكون وسيلة للتعلم والتعليم ,سارت وسيلة لإعادة إنتاج الطبقات الاجتماعية,فلكل طبقة مدرسة ولكل مدرسة تعليم ولكل تعليم خريجين ,خريج إلى سلة البطالة والتهميش التي انطلق منها بحثا عن السؤدد والنجاة وعاد إليها خالي الوفاض ,وخريج غلى باب المطار لي لإكمال باقي الدروس .

لكل شيء في وطني معنا خلقته له الظروف المختلفة ,الأكل له معنا أخر غير تغذية الجسم,الأسرة لها معنى أخر غير لبنة المجتمع,التلفاز له معنى أخر غير وسيلة للترفيه,والمجتمع بأكمله له معنى أخر يخلقه الجهلاء ويصدقه الأغبياء من أفراده,فلماذا يا ترى لا تحمل اللغة معنى أخر وتنتقل من وسيلة للتواصل إلى وسيلة للتباهي والتمييز بين البشر .

في وطني قتلت العربية وجرت دمائها بين أبنائها إلى أن أحدا لم يحس بها ,استبدلت عربية بفرنسية في جميع المرافق والمؤسسات كما لو أننا قطعة من فرنسا داخل إفريقيا ,وبدل التعريب الذي دعى إليه محمد علي الجابري نجد "التفرنيس " اكتسح الميدان ,ممزقا تاريخ أمة بأكملها ,فالكل سار منحى الفرنسية وإذا لم تكن لك قدرة بالفرنسية الفصحى ,فبضع كلمات في صحن جملتك من قبيل "داكور" و "دزل" و" مغسي " كفيلة لإظهار مدى علمك ومعرفتك وتكون قد أخذت وجاهة بين أمثالك ممن ينظرون إلى الفرنسية على أنها سلطان المعرفة والرقي الاجتماعي .

لماذا لا نعطي لذواتنا قيمة  أمام الأخر,لماذا نبجل كل ما يقدمه لنا من طريقة عيش ,طريقة أكل, طريقة حديث ,ولغة تعبير ,لماذا ننحني دائما أمام ما يقدمه على أنه الحقيقة الوحيدة المسلم بها والتي يجب أن تسود ,فلا رقي إلا بتقليد الأخر ولا نستطيع أن نصل إلا المجد والسؤدد إلا بسلم الأخر ,لماذا لا نصنع لأنفسنا مجدا خاصا بنا لا نستقيه من الأخر فيكون مزيفا ,لماذا لا نبني لأنفسنا مقاما عليا ينطلق من تاريخنا وثقافتنا فيكون لنا وملكنا ؟

في وطني لا ينجح المهرجان إلا إذا أحيته "شاكيرا" أو"  بيونسيه " ,ولا يستمتع المشاهدين بالإشهار إلا إذا كان ل"شاروخان " أو "الشاب خالد" ,ولا يعطي المتفرج قيمة للتعليق الرياضي إلا إذا كان من عند معلق تونسي أو مصري , في بلادي لا معنى لاحترام الذات الشخصية فأصحابها يسحقونها كل يوم بدم بارد,نمجد أعرافا غيرنا ونهين أعرافنا ,نقدس لغة غيرنا ونتخلى عن لغتنا ,ألا نحقق الكمال إلى بمحاكاتنا لطبائع غيرنا,ليس فقط في حياتنا اليومية ,فنحن نقلد الأخر في حياتنا السياسية وفي حياتنا التعليمية,إلا أننا ننسى  واحد ,عندما نقلد الأخر نقلده دون أن نفهم لماذا قام هو بذلك؟ دون أن نفهم المغزى والمضمون ,فنقلد القوانين والدساتير لكن دون جدوى فهي لا تصلح إلا للمجتمع الذي انبثقت منه وخلقت لتعالج مشاكله ,نقلد المقررات والمناهج الدراسية لكن دون فائدة تذكر فلا نحن وصلنا إلا التطور المعرفي الغربي ولا حافظنا على أصالتنا وعروبتنا ,فالمقررات وإن كانت من عند الغربي المتقدم تكلونوجيا والرائد علميا,إلا أننا لم نتساءل ولا مرة أين نحن من تلك المقررات ,أين ثقافتنا أين تاريخنا وأمجادنا أين مجتمعنا وحضارتنا ؟أكبر مشكل يعاني منه التلميذ هو التوفيق بين ما في الكتاب المدرسي وما عليه الحال خارج المدرسة ,فنحن لا نأخذ في عين الاعتبار رأيه ولا رأي أهله ولا رأي أساتذته عند وضعنا للمقررات يكفينا شرفا أنها قادمة من الضفة الأخرى .

كفى تناقضا وكفى تقليدا وأعطي الشيء معناه الحقيقي يا وطني ,ليست الفرنسية إلا لغة للتواصل والتعبير عن الأفكار ,ولو كان الرقي يقاس بمدى قوة اللغة وصعوبتها ,لكانت اللغة العربية الفصحى الأولى بالاستعمال ,فلا تعرف البشرية أكبر منها شموخا وقوة ,لنعطي أنفسنا مكانا في المقدمة,فمادمنا نقلل من شئن أنفسنا لن يكون مكاننا إلا في المؤخرة,وإن لم نصع لنفسنا هذا المكان لن يوجد في هذا الكون من يصنعه لنا .