يواصل الروائي والقاص والشاعر المغربي باللغة الفرنسية، موحى صواك دأبه، في الكتابة والنشر، بإصدار روايته الجديدة (السادسة) التي تحمل عنوان: (Nos plus beaux jours) «أيامنا الأجمل"، عن دار النشر: سيروكو"، مارس 2014، في 96 صفحة من الحجم المتوسط.
ويواصل أيضا بكتابته الروائية، النبش في المعضلات الاجتماعية والثقافية والتنموية... التي تؤرق المجتمع المغربي: وضعية زوجة الجندي المرابط في الصحراء، في «زوجة الجندي»، الزيجات البيضاء عبر الأنترنت في  "Et plus si affinités» والفساد الإداري والبيروقراطي في « سد من سكّر»، والوضعية الطلابية في «السنوات الجامعية» ومرارة الوقت المغربي في «شاي مر».. إلى جانب ثيمات مشابهة في مجاميعه القصصية: «عام الكلبة» و«اللاعبون» و"السفر الكبير» و"طنجرات الضغط تفضح»...

في الرواية الجديدة، يتناول الكاتب موحى صواك ثيمتين رئيستين هما وضعية المرأة في المجتمع المغربي، وموقف المجتمع من الفن عموما، والموسيقى والرقص بوجه خاص، إلى جانب موضوعات أخرى ينغل بها مجتمعنا (تهميش قطاع الثقافة، التدين الشكلي والتطرف الديني والانفجارات الإرهابية، تأثير برامج بعض الفضائيات في سلوك الناس، الفوارق الطبقية، بذخ بعض الأوساط في الأعراس، الفجوة الحضارية بيننا وبين الغرب، جمال طبيعة المغرب وتنوعها، مراعاة رؤساء تحرير المنابر الإعلامية للمواضعات الاجتماعية [إذ على الصحافي أن يدير ريشته سبع مرات في الدواة قبل أن يكتب؟]، حداثة المظهر فقط، حرب الرمال والمحاولات الانقلابية، «الخطافون" وتعامل سائقي الطاكسيات مع الزبائن الأجانب والمغاربة...إلخ..)

يتناول الكاتب الموضوعتين من خلال مسار حياة كل من فضيلة ومنى، بطلتي الرواية، ومن خلال رحلة السارد، الصحافي (في خريف العمر)، المسافر عبر القطار، من الدار البيضاء إلى مراكش لملاقاة فضيلة/الحاجة حلومة، والذي "يصادف" سفرُه عودة منى الشابة المتحررة، من أوروبا (باريس تحديدا) من دورة تكوينية في الرقص الكلاسيكي والعصري، والتي تعتزم نقل ما درسته وتعلمته إلى شباب بلادها بمراكش، وهي العائدة إلى المغرب رغم إغراءات عروض العمل المتوفرة في فرنسا.

خلال رحلة القطار، يسرد الصحافي مسار حياة فضيلة، بالرجوع إلى أوراقه الصحفية التي يعدها عنها، لمنبره الإعلامي، عبر سلسلة من الاستجوابات، مع الإشارة بين الحين والآخر، إلى بعض مراحل حياته هو (تجربته العاطفية مثلا). وهكذا تتلاقى حيوات كل من فضيلة ومنى والسارد في رحلة سفر في القطار، من الدار البيضاء إلى مراكش.

فضيلة التي رأت النور على نغمات أغاني عبد الحليم حافظ، من المقهى المجاور لمنزلهم، وحفظت أغانيه من الكتيب الذي منحته إياها إحدى جاراتها، والتي عشقت صوته، وسعدت بمشاهدته (في غفلة من أسرتها)، في سن المراهقة، في الأفلام التي كانت تعرضها إحدى قاعات السينما بمراكش، فأحبته وتمنت الوزاج منه، إلا أن الأسرة منعتها من مواصلة مشاهدة أفلامه، حين علمت بـ"فعلة" الفتاة، لكن ذلك لم يمنعها من الانبهار به، أمام زوجها، عندما عُرضت إحدى سهراته على التلفزيون، بل إنها سافرت إلى الرباط طمعا في رؤيته والاستماع إلى أغانيه من سهرة بمسرح محمد الخامس، إلا أن حادث محاولة انقلاب الصخيرات بدد حلمها. فعزمت على السفر إلى مصر لتحقيق الهدف، ففجعت بوفاة العندليب قبل ذلك. إنه حلم رومانسي (مراهق؟) مستحيل التحقق..

أما منى فهي نموذج للفتاة المغربية المتحررة المحبة للحياة والموسيقى، والتي درست الرقص الكلاسيكي والعصري في معهد متخصص بباريس، وقررت العودة إلى المغرب لتأسيس فرقة فنية وتدريس ما تعلمته، بأصوله العلمية والفنية الحديثة، لشباب بلدها، ولم تغرها عروض العمل المتاحة في أوربا. وفي طريقها إلى مراكش، كان لقاؤها بالصحافي (السارد) في القطار. وخلال الرحلة، ظهر من خلال حديثها وسلوكها حبها للفن والحياة والموسيقى والتمتع بالحاضر وجمال الطبيعة، ونظرتها العصرية المتفتحة للفنون والثقافة ودورها في الحياة المعاصرة.

تتناول الرواية وضعية المرأة من خلال جزء من حياة فضيلة: انقطاعها عن الدراسة مبكرا، منعها من مشاهدة الأشرطة السينمائية التي تحبها، واعتبارها "قنبلة موقوتة" قابلة للانفجار في وجه الأسرة، في أي وقت، وتزويجها صغيرة دون أخذ رأيها، من رجل (مهنته جزار؟) لا تحبه، من أجل خدمة أمه، وتعنيفها من قبل الزوج نفسيا وبدنيا وطردها من بيت الزوجية، استغلالها من قبل عون السلطة في المناسبات الرسمية...

إلا أن كل هذا لم يمنعها من أخذ مصيرها بيدها، ورفضها العودة إلى دار الزوج بعد حادث التعنيف، ومفارقة الأسرة، والاشتغال في فرقة الحاجة الهرمونية للشيخات، ثم رئاستها للفرقة وحمل الاسم الفني: الحاجة حلومة، فانخراط الفرقة ضمن مشروع منى لدمج الفن الشعبي بالرقص الفني الحديث، والقطع مع حلمها القديم: « لقد عاش عبد الحليم مغامراته وحياته، أما هي... إنها تريد أخيرا أن تعيش أحلامها الخاصة، وفي مدينتها.» (ص: 92)

فماذا يعني هذا المنعطف في حياة فضيلة: الانخراط في مشروع منى والقطيعة مع عبد الحليم وفنه؟ هل يعني اختيارَ طريق الفن القائم على العلم والدراسة والتدريب ولو كان مصدره الغرب، وبالتالي القطع مع التعاطي التلقائي والحالم مع الفن الرومانسي الآتي من الشرق؟

يخصص الكاتب أيضا صفحات عديدة للحديث عن موقف المجتمع من الفن عموما ، والموسيقى والرقص خصوصا، في الأوساط الشعبية والجماعات الدينية والمتأثرين بخطاب شيوخ القنوات الفضائية...وحتى في الأوساط الرسمية (تحكي منى أنه تم رفض أن ينشئ الفنان لحسن زيد [زينون؟] فرقة للرقص الفني)، ذلك الموقف الملتبس بخصوص علاقتنا بالجسد، والذي يحرم العديد من المظاهر الفنية ويعتبرها أعمالا شيطانية مبعِدة للشباب والشعب عن الطريق المستقيم.

يعالج الأستاذ صواك السرد الروائي، في رواية "أيامنا الأجمل"، بأسلوبه السلس الواقعي الواضح المعهود، الممزوج ببعض الغموض أحيانا. مع تطعيم الكتابة، بين الفينة والأخرى، ببعض العبارات الدارجة والأمازيغية، كما هي أو مترجمة (مثل النكافة، العدول، العيطة، الطعريجة، أحيدوس، الدقايقية،، كل تأخيرة فيها خيرة، "من النهار اللول كيموت المش"، لا يخصنا إلا النظر في وجهكم العزيز وشيء من الفلوس...)، ولا يعمد إلى شرحها، في أغلب الأحيان؛ وكأنه يترك للقارئ غير المغربي مهمة البحث بنفسه عن المدلول. كما يعمد إلى السخرية (السوداء، في بعض الأوقات) والفنطستيك وبعض المبالغات أيضا... الأمر الذي يعطي لأدبه نكهة خاصة، تحفز القارئ على المشاركة الفعالة في «إنتاج المعنى».