زايد جرو - الرشيدية / جديد انفو

الزائر لمدينة الريصاني  ايام  السوق :   الاحد او الثلاثاء او الخميس  وهو يحتسي قهوته في وقت  غير مبكر على جنبات الطريق فوق كراسي مغبرة  يسترعي انتباهه شخص اعتاد السير متأنيا وسط الطريق يلقب "بالربّاك "  أحمد ، يرافق قطيعا من الحمير يقل عددها أو يكثر حسب ما تجود به أيام الأسبوع، فتراه يداعبها في طريقه إلى السوق فرحا آملا أن يكون ربحه من بيعها وافرا .

 يدخل  احمد الرباك بتثليث نقط الكاف " ارْبَك الحمير "  ببضاعته المتنوعة منها الحمار الطويل والقصير والبين بين ومنها الاسود والاحمر والملون كباقي البشر ومنها  من يشبه جاره  ومن يشبه مسؤولا زاره في ادارته  لقضاء حاجة ادارية ذات يوم وهو على كرسيه يدور ذات اليمين وذات اليسار ، ومنها من يشبه  منافسه في رحبة البيع  ومنها  ايضا الطيع ومنها الحقود والناكر للمعروف والمنافق والمستسلم والغاضب والمنشرح  وعاداتها في الحركة والسير وردود الافعال  وفي الصوت  كعادات الناس المحيطين بنا  في الشارع والعمل والصف .

قضى احمد بياض يومه انتظارا  للزبناء  لبيع حمار او اثنين دون الاتن  او الاناث او " لحمارات" اعزكم الله كما نقول في الحديث اليومي  ، يأتي المشتري ويقلب الحمار من الأعلى دون الاسفل، عكس  ما يفعله  سماسرة السيارات  يركب فوقه  او يعتليه ويضربه ضربا مبرحا  على رقبته الطويلة ويطير الحمار ومدة يعود به ويقول انه " يلهث ' ويأتي آخر ويركب الثاني ويعود بعد حين ويقول انه " يتعثر " "أُو طَاح ْ على كَمْكُوكُو"  في الطريق أما الحمار الابيض فيشفق عليه البائع والمشتري وقل من يساومه كما قال احد المشترين حين اقترح عليه احمد ان يشتريه منه قال " ما تيعجبنيش لحمار لبيض لانه يشبه ابن عمي " ودون ان يتمكن "الرباك احمد" من بيع ولو حمار واحد .

 عاد الرجل ببضاعته من  الحمير  فارغ الجراب، وانتابه كظم عظيم لم يألفه منذ أمد طويل، فانهال على رفاق دربه بالضرب والركل، فافرنقعوا وسط الطريق وهرب بعضهم ووجل البعض الآخر، واندهشوا جميعا من هذا السلوك غير المألوف وغير الحضاري من رفيق دربهم  فبقي  جالسا على الطوار يفكر كيف سيقضي   هذا الأسبوعٍ الذي سيعييه بالإطعام والرعاية كباقي الأسابيع الأخرى، فتنقل بصره من هنا وهناك  وهو يراقبها، وقام  من جديد ليجمع شمله بشملها حتى لا يضيع رزق أبنائه.

 عاد الرجل لبيته يمشي الهوينى مأزوما، فأعار رفاقه لحنا وحَنَّ عليها، ولولا الحياء لقال لها إنه يحبها ويعشقها ويموت فيها، فسارت معه في إخلاص وصبر ولم يعلم أنها لِلَّيل حارسة وللسهد راعية، واتخذت السهر خصما زمنا طويلا تتلقى الأوجاع وتستنزف كنز الذات، ولم يعلم هو ايضا  ولو مرة كيف يُقرأ الشوقُ على الجبين أو كيف ينفذ الوميض إلى القلب…

دخل احمد البيت مهموما دون ان يشتري لأهله ولو" زْلاك"  واحد من الملوخية  لتقوم الزفة مع حليمة الزوجة غير الراضية  بلقب زوجها " احمد بياع لحمير " حيث تردد على مسمعه كل حين " طلعت لي فراسي انت وحميرك "  وسبحان من جمع اسمك احمد   بالحمير في تركيبة واحدة، ومرات تناديه ب "البيّاع " دون ذكر الحمير ودون ان تدري ثقل مدلول الكلمة تاريخيا واجتماعيا  ومرة تناديه "صاحب الحمير" او " مول لحمير"  ومرة  " خو لحمير " بالقصد او دون القصد ، وهو مدرك تماما ما تعنيه الزوجة الناكرة لفضل الحمير عليها وعلى ابنائها  فيرد احيانا حين يضيق بزفتها اليومية " اللهم معاشرة الحمير ولا معاشرة اقوام لاهم بالحمير ولا هم بالبغال ولا بالبشر "  وكم اجد راحتي  معهم  يوميا ، واذا كنت انا " خو  لحمير الله اجازيك بخير " فقد رضيت بك زوجة رغم ان  اصلك من حمارة  عوراء مريضة  وحمار قصير أعرج.

احمد بياع ومحترف  ومخلص في تربية الحمير فلا يبيع سلعته  ليلا ولا يشتري لها منشطات لكي تطير سرعة وقت تجريبها من زبنائه ،ولا يصبغها اذا اصابها الجرب  بل يداويها بالزيت المحروقة  كما تحكي زوجته حليمة حين تعيرها جاراتها، فتعلّم الصدق والإخلاص منها اكثر مما تعلمه من الناس  .

حكاية احمد الرباك طويلة في كل يوم له حكاية مع الحمير ومع بائعي الحمير ومشتريها ،وكل وقصته في هذا الزمان واحد له التجارب الطويلة مع الكلاب الضالة ،وواحد مع الكلاب الاليفة، وواحد مع الكلاب بروابط اعناق نقية  ونظيفة ،وواحد اخر له الحكايات مع الضباع ومخ الضباع ..وقس على ذلك ما تبقى من الحكايات في مجال السرديات التي عالجت الواقع بالرمزية  والايحاء والسخرية .