أحمد بيضي - خنيفرة / جديد أنفو

اختتم المهرجان العالمي للشعر بخنيفرة بالإعلان عن اختيار صاحب ديواني "قاب كأسين من ريحه" و"أصابع آدم"، الشاعر فتح الله بوعزة، عريسا للمهرجان الدولي للشعر في دورته الرابعة لعام 2016، ليسدل الستار عن فعاليات المهرجان الذي ينظمه منتدى الأطلس للثقافة والفنون بخنيفرة، بتنسيق مع مؤسسة الكلمة للثقافة والفنون بأسفي، حيث لم يفت المنتدى الإعلان عن نجاح التظاهرة الشعرية التي تمكنت من جعل خنيفرة، مهد أبي القاسم الزياني، نسخة من "سوق عكاظ" التي يتعاكظ فيها الشعراء الوافدين من كل حدب وصوب.

ويعد المهرجان الدولي من أهم المحطات الثقافية بالمدينة التي بدت تعيش نهضة ثقافية ملموسة، حيث عرفت هذه التظاهرة العالمية مشاركة العديد من الشعراء، في أمسيتين منفصلتين، نذكر منهم مثلا، قاسم لوباي (المغرب)، جميلة أبيطار وعبد اللطيف حبيب (المغرب/ فرنسا)، عدنان الصائغ وبلقيس حميد حسن (العراق/ هولندا)، كريستيان ديودو وتريستيان كابرال (فرنسا)، حسين حبش (سوريا)، آني سوماري (فلندا)، جيني لويس (انجلتر)، بيو رناورسو (السويد)، إيلان خلان (اسبانيا)، فتح الله بوعزة، نعيمة قصباوي، عبد الصمد حدوشي، مالكة حبرشيد وعبد الحق مفراني (المغرب).

المهرجان الدولي للشعر المنظم تحت شعار: "الشعر حس مرهف و قضية"، بشراكة مع مجلس جهة مكناس– تافيلالت والمجلس الإقليمي لإقليم خنيفرة، ودعم المجلس البلدي، وتعاون مع المركز الثقافي أبو القاسم الزياني ومركز مهن التربية والتكوين وثانوية أبي القاسم الزياني، كان مناسبة ثقافية للاحتفاء فيها بابن خنيفرة شاعر الضفة الأخرى "قاسم لوباي"، اعترافا بمساره الشعري الطويل وعطائه الابداعي، في حين عرفت الدورة سلسلة من اللقاءات والقراءات الشعرية، وندوة نقدية حول موضوع "القصيدة كآلية للمقاومة"، إلى جانب جلسة للمقاربات النقدية لدواوين شعرية، حيث ظلت المدينة "تتنفس شعرا" على مدى يومين كاملين في حضور شعراء وباحثين من المغرب ودول عربية وأوربية وأسيوية.

فعاليات مهرجان خنيفرة العالمي الثالث للشعر، انطلقت رسميا بالمركز الثقافي أبو القاسم الزياني بكلمة المنتدى التي تم الترحيب فيها بالحضور، والتنويه بجهود الشركاء والداعمين، والمنابر الإعلامية المكتوبة والالكترونية، مذكرة ذات الكلمة بالخط الثقافي المتميز للمنتدى منذ نشأته، ومشيرا لأهم محطاته الثقافية وبرامجه المسطرة، ومنها أساسا حفلات توقيع وقراءات لمجموعة من الإصدارات الأدبية والنقدية، وفعاليات المهرجان الخامس للمسرح الاحتفالي التي ستحمل دورته اسم المسرحي الراحل ذ. احمد هيبة، ثم يوم دراسي في تجربة القاص محمد الزلماطي، وندوة حول السينما وحقوق الإنسان بالمغرب، إضافة إلى افتتاح المقهى الأدبي الشهري وإعداد ورشات في الفنون الإبداعية لتلاميذ المؤسسات التعليمية.

وخلال ذلك تم تكريم عريس الدورة الشاعر قاسم لوباي، وتقديم شهادات في حقه عبرت في مجملها عن عمق تجربة هذا الشاعر وإصراره المستميت على تطوير منجزه الشعري الذي عانقته أجيال النقاد والقراء على السواء، وقد شارك في حفل المحتفى به الشاعرة المغربية جميلة أبيطار (فرنسا) والشاعر الفرنسي كريستيان ديودو والفاعل الجمعوي ذ. محمد بوستة، في حين لم يفت المحتفى به تقديم كلمة حميمية شكر فيها المنتدى على طيب مبادرته الرقيقة، مؤكدا في ذات الوقت أن هذه الالتفاتة الرائعة يمكن أن تكون لغيره من شعراء آخرين أثبتوا جدارتهم في المشهد الشعري المحلي والوطني، ليختم كلمة بقصيدة شعرية قدمها هدية للراحل الزجال ذ. أحمد هيبة، قبل تسليمه هدايا تذكارية وشهادات تقديرية.

وفي قلب هذا الحدث الثقافي استمتع الحاضرون وعشاق الشعر بقراءات نقدية جميلة، احتفالا بصدور ديوانيين شعريين، عمل الناقد د. محمد أبوالعلا على تقديم قراءة نقدية لديوان "أكواريوم الألم" للشاعر الرائع عبد الحق مفراني، حاول من خلالها مقاربة هذه التجربة الشعرية من منظور سيميائي، سعيا منه للكشف عن ميكانيزمات كتابة القصيدة، سيما في تعاليها النصي بآليات اشتغال الخطابات البصرية، السينمائية منها والمسرحية والتشكيلية، كما شارك الباحث ذ. مصطفى داد بقراءة نقدية لديوان الشاعرة المتألقة نعيمة قصباوي "للمليكة يضحك الغمام"، والتي كشف فيها عن البنيات النصية الدالة بين ثنايا قصائد الديوان، مؤكدا على حرص الشاعرة على تشييد دلالات ومعاني قصائدها بالتوسل بالصور الرومانسية المشهدية والاحتفاء بالذات الشاعرة على غرار الشعراء الوجدانيين بالرغم من نزوعها الحداثي نحو التجريب على مستوى الإيقاع من خلال تبنيها لقصيدة النثر.

وفي إطار الأنشطة الموازية للمهرجان التي سطرها المنتدى، وبتنسيق مع "نادي الإبداع والتواصل" بثانوية أبي القاسم الزياني التأهيلية، وجمعية آباء وأمهات وأولياء تلاميذ هذه المؤسسة، نظمت أمسية شعرية شارك فيها مجموعة من التلاميذ والتلميذات بقصائد شعرية استحسنها الشعراء الذين زاروا المؤسسة، رغبة منهم في تحفيز التلاميذ والتلميذات الموهوبين والموهوبات، وقد عبر مدير المؤسسة، مصطفى قنوش، عن سعادته لاختيار هذه الثانوية العتيدة، مؤكدا على اهتمام المؤسسة بتشجيع كل المواهب الشعرية والثقافية والرياضية، في حين لم يفت ممثل جمعية آباء و أمهات وأولياء التلاميذ والتلميذات، ذ. محمد كونبر، التأكيد على رعاية الجمعية الدائم واللامشروط لمختلف الأنشطة الإشعاعية والرياضية التي تقام بالمؤسسة من باب تشجيع الناشئة وصقل مواهبهم وتكوين شخصياتهم، تنفيذا للبرنامج الإشعاعي الذي دأبت الجمعية على رعايته وإنجاحه بتنسيق مع مختلف المجالس التربوية بقيادة مدير المؤسسة، وتشجيعا للمواهب الشابة، ألح الشعراء الحاضرون على المساهمة في هذه الأمسية الشعرية بإلقاء قصائدهم الشعرية في أجواء شاعرية مرحة.

وفي خضم فعاليات المهرجان الشعري، وبتنسيق مع مركز مهن التربية والتكوين بخنيفرة، تم تنظيم حفل تأبين الراحل الزجال والمسرحي ذ. أحمد هيبة، حيث قدمت شهادات وقراءات شعرية في حق الفقيد، عبر من خلالها المشاركون عن قيمة هذا الرجل المثقف، الذي تعددت انشغالاته الإبداعية والإعلامية والثقافية المتنوعة والمتعددة، قبل انطلاق أشغال الندوة النقدية المبرمجة حول موضوع "القصيدة كآلية للمقاومة"، أطرها الناقد د. محمد أبوالعلا الذي افتتح اللقاء بالحديث عن دواعي اختيار موضوع الندوة على "ضوء الربيع العربي وسؤال المثقف المنفتح على مجاله والمنزوي في ركنه"، وشارك فيها الشعراء: السوري حسين حبش، الإسباني ايلان خلان، ثم الشاعر والفنان التشكيلي عبداللطيف حبيب، والشاعر والإعلامي عبد الحق مفراني، عملت أغلب مداخلاتهم على تقديم عدة تصورات حول القصيدة باعتبارها آلية للمقاومة على جميع الأصعدة، من خلال تشريح العوالم الخفية والظاهرة لهذه القصيدة، والتأكيد على الدور الكبير الذي ينبغي أن يقوم به الشعر المعاصر في المجتمع العربي، وان اختلفت الرؤى حول مسالة الالتزام.

وبينما رأى السوري حسين حبش كيف "أن الشعر الذي لا يستطيع إيقاف الحروب يمكنه الصراخ في وجه هذه الحروب"، وتحدث عن "عدم وجود قصيدة مقاومة بالمفهوم الدلالي بل هناك انفعالات مع الحدث"، ليؤكد على "ضرورة قيام الشاعر بوضع مسافة بينه وبين هذا الحدث حتى لا يتماهى معه عوض قراءته"، في حين ركزت مداخلة عبداللطيف حبيب على حال الشعر في بداية القرن الماضي وعلاقته بالفن الذي كان حافزا دائما للشعر، مشيرا إلى ما وصفه بالشاعر الرؤيوي، قبل وضع استفهاما على رأس سؤال: "إما أن نكتب متحررين من القالب الشعري أو نكتب بطريقة مباشرة"، ليستشهد بعبارة "نولد شعراء ونصبح قصائد"، أما الشاعر الاسباني إيلان خلان فاختار كلمته حول "تطور الشعر كلغة للتواصل مع العالم وكمفتاح للتوارث"، وكيف ينبغي علينا أن "نخلق ثورة في أفكارنا بدل الثورة على ذواتنا"، بمعنى أن كل قصيدة، حسب قوله، هي "ثورة كلما شعرنا بما يروج في دواخلنا وأحاسيسنا، وأن للشاعر القدرة على رؤية ما لا يراه الآخرون من أشياء"، قبل انتقاله إلى الحديث عن البعد الجمالي في الشعر خلال زمن العولمة.

أجواء الندوة تخللتها مداخلات قيمة لعدد من الباحثين الحاضرين، منهم مصطفى داد وعبد الاه الصايغ ومحمد معطى الله ومصطفى فاروقي وغيرهم، ولم يفت المنظمين التوجه بتشكراتهم الإبداعية لكافة الشعراء القادمين من كل الأصقاع، وللداعمين والمساندين، وقد قدمت شهادات تقديرية وهدايا تذكارية للشعراء، وللتلاميذ والتلميذات المشاركين بغاية تحفيزهم والرقي بآمالهم الشعرية.