لحسن ايت الفقيه - الرشيدية / جديد انفو
 
الاحتفال باليوم العالمي للمرأة لا تستقيم العبرة منه إلا بإعادة النظر في استقامة وضع المرأة في علاقتها بالمؤسسات العمومية التي طفف الرجال حولها الجدران، وغلقوا [بلام مضعفة] أبوابها بالعنف المستديم، أو الميز القائم على خلفيات ثقافية. ولم يكن أولو النهى ممن يناغي النساء بالورود والفطائر والعبارات الجميلة، هناك حسن [بضم السين] التردد على وسط المعاناة لملامسة المأساة. وليس هناك وسط يفوق في حسنة المؤسسة السجنية.
 
إن معاناة المرأة مع الاعتقال إن هي إلا فصولا زاخرة بالويل بأضعاف مضاعفة، إن صح قياس الويل، لا من حيث كونُها [المرأة] معتقلة [اسم المفعول]، بل من حيث كونها مهضمة [بضم الميم] بتعبير القدماء. إن الاحتفال بفضاء السجن المحلي بالرشيدية، وبالقاعة المتعددة الوظائف النسوية، يوم 08 من شهر مارس من العام 2016، انجر عن الاستجابة لثلاث رغبات: رغبة إدارة السجن المحلي بالرشيدية، ورغبة اتحاد العمل النسائي فرع الرشيدية، ورغبة اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان بالرشيدية ورزازات.
 
ولقد سلف أن نظمت اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان بالرشيدية ورزازات لقاءين تشاورين ناجحين بتنسيق مع المؤسستين السجنيتين بكل من ورزازات والرشيدية، راما النهوض بثقافة حقوق الإنسان لدى العاملين بالمؤسستين السجنيتين، الموظفين والموظفات الذين انقطعوا للحراسة منهم أو العمل الإداري والتقني، أولهما بالرشيدية يوم الثلاثاء 29 من شهر يوليوز من العام 2015، والثاني يوم 30 منه. وفي اليوم العاشر من شهر دجنبر من العام2015 ، وبمناسبة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان نظم لقاء آخر حول ماهية المحاكمة العادلة. ويعد لقاء يومها الثلاثاء 08 من شهر مارس من العام 2016 اللقاء الثالث من نوعه.
 
إن الذي ينزل السجن يطرح أمامه سؤال واحد: لماذا أنا هنا؟ والجواب: «لقد ساءت مؤاخذتي، إن كنت حقا قد زللت». لكن جواب المرأة المعتقلة، بما هي مصاحبة الزلة، في الثقافة غير العالمة: «لقد ساءت مؤاخذاتي لأن محاكمتي غير عادلة تحت وقع الميز والعنف». إن هذا الجواب الذي يحق قياسه، على سبيل الظن، يلخص مسار المرأة وحقوق الإنسان حينا من الدهر. وقبل مقارعة تلك الأبواب جدر [بضم الجيم] التذكير أن «العدالة الجنائية للنساء بين المطالب والمكتسبات» موضوع ورشة تحسيسية انقطع لها الأطراف الثلاثة المشار إليهم [ولا نقول إليها لأن كل من يعمل عمل العاقل يشار إليه بصيغة المذكر في اللغة العربية] بما هم صفات معنوية: السجن المحلي بالرشيدية، واتحاد العمل النسائي فرع الرشيدية، واللجنة الجهوية لحقوق الإنسان بالرشيدية ورزازات. ولقد أريد للورشة أن تنصب على طور ما قبل المحاكمة، أعني علاقة النساء بالضابطة القضائية، الشرطة والدرك. ولقد انقطعت لتقديم سياق الورشة وتكلفت الأستاذة ناهلة عراش، محامية بهيئة مكناس وعضو اتحاد العمل النسائي، فرع الرشيدية بحقوق المتهم فيما قبل المحاكمة. وفي العقبى أجري تمرين تطبيقي ينطلق من الاستماع لسجلات صوتية لثلاث نساء: إحداهن واجهت الشرطة لاتهامها بالخيانة الزوجية، والثانية اغتصبت ابنتها القاصر، والثالثة قصدت الشرطة سائلة عن مسار شكاية ووجدت نفسها في واقع آخر.
 
إن مسار المرأة مع حقوق الإنسان غشي ثلاثة فصول، إن بالترتيب الدياكروني أو التزامن: فصل المساواة مع الرجل في الحقوق والواجبات، وفصل مناهضة الميز ضد المرأة الذي خصت له اتفاقية «سيداو»، وفصل العنف تجاه النساء الذي طالما يصبح موضوعا للقضايا الجنائية، وطالما تنجر عن هذه المحاكم زلات تعظم أو ينخفض بأسها، حسب الظروف والملابسات.
وفي المغرب وجب الوقوف عند بعض المؤشرات الإيجابية بصدد العدالة الجنائية للنساء كنحو ما حمله دستور 2011، والتدابير التي أملتها وزارة العدل والحريات، ورغم ذلك ظلت النساء خاصة، والنوع الاجتماعي جميعه، في منأى عن تحقيق المراد في الولوج إلى العدالة الجنائية تحت وقع الميز والعنف.
 
وصى الدستور المغربي في ديباجته بحظر كل أشكال التمييز بسبب الجنس أو اللون أو المعتقد أو الثقافة أو الانتماء الاجتماعي أو الجهوي، أو اللغة أو الإعاقة، أو أي وضع شخصي مهما كان. وإن في ذلك لتنصيص بيّن لما هو مضمن في المواثيق الدولية، وأما وزارة العدل والحريات فقد عملت على إحداث خلية من القضاة لمعالجة قضايا النساء ضحايا العنف، وتعيين مساعدات اجتماعيات بالمحاكم المغربية جميعها، وأعدت فضاءات لاستقبال النساء ضحايا العنف، وكونت القضاة وأهلتهم في جانب العنف ضد النساء، وهي مجهودات، وإن حق تمييزها فرصا إيجابية، فإن الوضع في ضيافة الشرطة والدرك لا علاقة له بالحسن والكرامة. لذا فضمان الكرامة يقضي إعمال حقوق الإنسان وللمحاكمة العادلة صلة بحقوق الإنسان مادامت تمتد إلى كنه الكرامة الإنسانية. وكلنا لا ينكر أن الجريمة ترتكب أحيانا دفاعا عن الكرامة الإنسانية. فالمحاكمة العادلة حق من حقوق الإنسان. فما المقصود بالمحاكمة العادلة وما جدواها؟ تقدمت الأستاذ ناهلة عراش، سلف الترجمة لها، لتضيف أن للعقوبة خطر المس بالحرية أهم حق من حقوق الإنسان، لذلك تدرأ المحاكمة العادلة مفسدة العقاب الجائر. وتفسد العدالة بإدانة الأبرياء تأسيسا على الزور. وتنتهك حقوق الإنسان، في الغالب، في مخافر الشرطة والدرك وبيوت الاحتجاز وفي قاعات المحاكم. والمحاكمة في طورين: الطور التمهيدي المعروف بما قبل المحاكمة، وطور المحاكمة. والضوء مسلط في ورشته على الحقوق الواجب مراعاتها في ما قبل المحاكمة.
 
خالت الأستاذة ناهلة عراش أن طور ما قبل المحاكمة يعدل بتوافر عشر حقوق وضمانها:
 
- الحق في الحرية وفق المادة الثالثة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان: «لكل فرد الحق في الحياة والحرية وفي الأمان على شخصه»، إذ يتأسس على صيانة الحرية، قاعدة: «المتهم بريء إلى أن تثبت إدانته».
 
- لكل متهم حق الاطلاع على المعلومات الخاصة به. وطالما يحصل توقيف المواطن دون أن يخبر بسبب توقيفه، وبالتهم الموجهة إليه. وإن ذلك يتنافى والفقرة الثانية من المادة 9 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. ويجب أن يخطر أيضا بوجوب الاستعانة بمحام، والإبلاغ بالتهم الموجهة إليه.
 
- إن الإخطار بالاستعانة بمحام غير كاف ما لم يتستعن المتهم بالفعل بمحام «يختاره بنفسه لحماية حقوقه وإثباتها وللدفاع عنه في جميع مراحل الإجراءات الجنائية»، كما هو وارد في المبدأ الأول من المباديء الأساسية الخاصة بدور المحامين.
 
- يحق للموقوف الاتصال بالعالم الخارجي.
 
- الحق في المثول أمام المحكمة على وجه السرعة.
 
- الطعن في مشروعية الاحتجاز.
 
- حق المتهم في محاكمة عادلة خلال فترة زمانية معقولة أو الإفراج عنه إلى حين محاكمته.
حظر تطبيق القوانين الجنائية بأثر رجعي.
 
- حق المتهم في التزام الصمت وفي الاستعانة بمترجمين، ولا يجوز انتزاع الاعترافات منه بالقوة.
 
- الحق في أوضاع إنسانية وعدم التعرض للتعذيب.
 
بعد توضيح هذه الحقوق أسمعت ثلاثة أشرطة صوتية وفتح النقاش حولها وحصل تسجيل ملاحظات السجينات وكلهن يشتكين من طور ما قبل المحاكمة.