زايد جرو - جديد انفو
عجيب أمر مدينة الرشيدية وغريب أمر الذين ينتقون من النساء من تستحق التكريم في مناسبة الثامن من مارس، أو في اليوم الوطني للمرأة، وتقدم لهن الورود والهدايا، ويتم استدعاؤهن ضيفات للحديث عن الإنجازات التي تحققت وللحديث عن الوضع النسوي، وكل واحدة تنفخ في القصبة إبرازا للعمل والإنجاز، ولم تتم الالتفاتة لنساء من عمق الكدح والفقر البعيدات عن شيء اسمه الأناقة .
الحدث بالرشيدية تغنت به النساء والرجال في المقرات والقاعات والجماعات، ولا حديث إلا عن الإنجازات والتقاط الصور و " التبناد على المنصات"وأمام العدسات، دون تذكر نساء طالهن القهر والنسيان واللواتي صبرن على مرارة العشرة والعيش ، وحُرِمْن من حلاوة الحياة، ولا ذنب لهن إلا لكونهن من وضع كادح مهمش قصرا، فحفرن الجحور في الحجر، بحثا عن زواحف صالحة للأكل، أو عن عشب لماشية تقاسمت البيت معها طوالا .
المرأة الحدّادة بحي " لحدب" بالرشيدية والتي كانت موضوع تغطية إعلامية من القناة الأولى هي الأوْلى بالتكريم وهي الأجدر بالثناء لأنها تظل طول اليوم واقفة مع الحديد وجها لوجه تطوعه ليصبح لينا لصنع المشغولات اليدوية المستعملة في الواحات من "محشات ومزابر وفؤوس وسرجوانات وأقفال ..." الأشعة والبريق يدميان العين وصوت المطرقة على السندان يصمخ آذانها وآذان جيرانها ويداها الخشنتان تخشبتا وتصلبتا أكثر من الرجال وجبينها تحجر بالشظايا المتطايرة والتي تترك الندوب والخدوش على المُحيا لسنوات لنحت الحديد وصناعة الخبز منه لأبنائها المتمدرسين، و لم يلتفت أحد لمثل هؤلاء اللواتي ورثن الفقر والتهميش وأبين أن تمددن أيديهن لأحد لأنهن متعففات وأرصدتهن مليئة بالقناعة، فتحية عالية لهن ولكل النساء اللواتي تشبهنها في الفقر والكد والحاجة واللواتي صنعن رجالا بالإرادة بعيدا عن الأضواء وبعيدا عن التزويق ،وتحية لكل النساء المُحاصَرات، في أعالي الجبال بالثلج، والجوع وحظهن من الحياة البرد، ولكل النساء اللواتي مازلن تتخذن من الأودية مكانا للغسيل والغسل، أياديهن ووجوههن تشققت ألما وتعبا وبردا ولكل النساء اللواتي تبحثن عن أعشاب للدواب في الحقول صباحا قبل استيقاظ الحمام والطير، ولكل النساء اللواتي لم تعرفن للفرح طريقا طول العمر، فلو كان الطير والحمام وكل المخلوقات تنقل الأوطان، ما طلبنا منها إلا تلك النساء لأنهن الوطن تجمعهن طمأنينة الدراويش و"تَمَارة " التي توارثناها من الأب والجد وهن من رحم الحرية ولدن وفي رحم الحرية ستدفن جميعهن .