زايد جرو - جديد انفو

الحمامات الشعبية  لها مكانة عالية عند جميع المغاربة ذكورا ووإناثا يقضي فيها المستحم وقتا يختلف من شخص لآخر حسب ظروف العمل ،وحسب وسخ الشخص ،وحسب زمن الاستحمام، بخلاف النساء فالوقت يطول ويزداد حسب الموضوع الجامع بين المستحمات وحسب الإثارة في الحكايات .

الحمامات الشعبية  بالرشيدية ظلت  صامدة داخل الأحياء الشعبية والقصور العتيقة، وظل "الكسال" أو"الكسالة"  هي الشخصية البسيطة الودودة التي تعمل مقابل أجر يختلف باختلاف الزبائن ، بعتاد بسيط : كيس مصنوع من ثوب خشن "أحرش "غالبا ما يكون أسود اللون ، وصبر وعزيمة في «تكسال» الزبون، وإخضاعه لعملية التدليك والضرب على الأرض باليد ليبين أنك متسخ أكثر أو على الجسد كأنه يختبر مقدار تحمل جسدك للكمات لتنسى الأماكن التي مرت بها يده ويبقى تفكيرك منشغل بالضربة الآتية أين ستنزل ليزداد الأجر ،والعمل والضرب والمسح مصحوب بصوت "سْ سْ سْ " ولا يدري أحد ما علاقته بإزالة الأوساخ لتخرج من الحمام منهكا متعبا و"مهلوكا " وتنام لمدة ساعة أو تزيد حتى تستعيد بعضا من عافيتك في انتظار نهاية الاسبوع لتذهب من جديد و "يطير" عليك كالقدر ولو أنك لا حاجة لك به.
الكسال شخصية ينتقدها الجميع بحكم  نوع الشغل وبسبب أوساخ وعرق المستحمين والأدخنة المنتشرة في المكان ورغم ذلك ف «الكسال» و«الكسالة» ضروري وضرورية في عملية التنظيف والتدليك داخل الحمامات..
ولهذه الشخصية وسائلها الخاصة في إقناع الزبون بقدرتها على تنظيف الجسد، ومنحه فرصة الاسترخاء وإزالة التعب، كما لديها طرقها الخاصة في اقتناص الزبائن، والحفاظ على بعضها كزبائن دائمين.

 وفي حوار قصير مع أحد الكسالين ( ي .و.ب.ح) حول عمله ومدخوله بعد أن عاشرته لمدة كزبون التقينا صدفة وسط المدينة بالرشيدية وأرغمته على الجلوس معي قصد فتح مستغلقاته ومعرفة القليل عن المهنة، وهل بإمكان أي فرد آن يشتغل  كسالا بدون تعب الامتحانات في الكتابي والشفوي والمقابلة والمشروع والتجربة .. فسألت سي. (ي)  كيف  تسير أحوال العمل ؟ورد بالعبارة : الحمد لله مهنة لا تتطلب صنعة أو تعلما والرزق بها مضمون خاصة في فصل الشتاء ،لكن في رمضان وفي الصيف فلا يحتاج المرء للحمام فمدينة الرشيدية كلها حمامات من الشوارع للبيوت  ،فكل فرد مستحم أقل ما يقدمه هو 15 درهما وهناك صاحب ال 20 و 50 أيضا حسب جود الناس ،ودخلي اليومي يترواح بين 150 درهما و200 لكن الضريبة لا ننفلت منها، وهنا طرحت السؤال الثاني أي ضريبة؟ فقال : أن لَمعلم يفرض عليك القسمة مع الآخرين من الكسالة الذين لا زبناء لهم، ويجب ان تترك نصيبا له وحين تجمع مدخولك اليومي لا تجد إلا القليل ، العمل من السادسة صباحا حتى العاشرة ليلا ودون ان يقدم لك صاحب الحمام أجرة  شهرية  قارة ودون تأمين ودون ضمان اجتماعي ولا أي شيء ،فحين تمرض لا أحد يسال عنك وحين تضعف لا أحد يطلبك ،والمستقبل بيد الله والخير معقود على الأبناء "لخليفة على الله " وحين تروح للبيت تتذكر روائح البشرية الكريهة بالحمام " يا لطيف شحال خانز البشر بحال إلى ما كاينش الماء" وحديثك مع أبنائك لا يخرج عن الحمام و"البرمة وسْطولة وتاشفارت اوزيد اوزيد".

غادرني الكسال و"تركني مكسلا بكراسي المقهى " وهو عزيز النفس وأراد أداء واجب كوبَين من القهوة، فأقسمت ألا يفعل ،وتيقنت أن هذا العمل مضن حقا ،وأن الحرفة لم تعد تدر الأموال كما يعتقد البعض، ولا تغطي مصاريف الأسرة الصغيرة، ولم تعد مأمونة الجوانب بعد انتشار الحمامات العصرية بالبيوت.