محمد حداوي - جديد انفو / متابعة
شر البلية ما يضحك ..وهنا تحضرني نكتة مضحكة ومبكية في آن واحد، وهذه النكتة طالما يتداولها أبناء بلدات منطقة النيف الكثيرة بالجنوب الشرقي للبلاد كلما استفحلت أزمة الماء الصالح للشرب مع مطلع كل فصل صيف الذي تكاد حرارته المفرطة تديب حتى الأحجار..وأبناء منطقة النيف الذين غزوا مختلف قارات كوكب الارض طلبا للرزق، هؤلاء الأبناء لمن لايعرفهم هم أبناء نكتة وسمتهم دماثة الخلق وعزة النفس والجود والكرم وحسن الضيافة، اما النكتة المتداولة بينهم في نواديهم الخاصة والعامة وحتى في مواقعهم الفيسبوكية الساخرة فهي تقول :
- مسئول وزاري مع مواطن من النيف يشتكي من الماء الصالح للشرب والسيد الوزير يستفسر المواطن باسما :
- واش طاحت عندكم شي شتا هاد العام في النيف ؟؟؟
- المواطن: لاااا يا معالي الوزير، كيطحو عندنا غيير الأحجار من المريخ أوغاليين، راه كيديرو 70 الف ريال لغرام..
- معالي الوزير : أوعلاش زعما غير عندكم فالنيف بالذات وفي الجنوب الشرقي ؟؟؟؟
المواطن : حيت حنا تابعين للمريخ معالي الوزير، أما المغرب مابقا داها فينا..انتهت النكتة الألنيفية الساخرة.
نعم، نحن فعلا بمنطقة النيف في «المغرب الثاني»،أي مغرب المهمشين. وبيننا و«المغرب الثاني»، مغرب المركز حيث الظروف الاقتصادية والإجتماعية والتعليمية أفضل مسافات ضوئية لاتقوى المنطقة على قطعها بعد تراكم عقود طويلة من النسيان والتهميش. وللتذكير فبادية النيف أبلت بلاء حسنا في محاربة المستعمر الغاشم بجبال بوكافر، ولاتزال هذه البادية كما تركها المستعمر بدون بنيات تحية ولامشاريع تنموية حقيقية تنفض عليها غبار التهميش والإقصاء. ورغم مضي أكثر من نصف قرن على استقلال البلاد ، لاتزال منطقة النيف بجماعاتها المحلية الثلاثة تصنف ضمن مناطق المغرب غيرالنافع (المغرب الثاني) ولم يشفع لها ما قدمته للمغرب في شخص مقاوميها.. ورغم ثروات باطن الأرض التي تزخر بها المنطقة في شخص منجم النحاس ب"احصيا" الغني بالنحاس والذهب، ومنجم الحديد ب"تورزا"، بالاضافة الى اكتشاف كميات هائلة جديدة من معدن الحديد بجبال تابعة للأراضي السلالية لساكنة بلدة "الحزبان" الذي استحودت عليه مؤخرا إحدى الشركات العملاقة التي لم تشرع بعد في استغلاله... ورغم ان الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه العزيز قد ضمن الرزق لكل مخلوقاته مصداقا لقوله تعالى "وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها"، إلا ان هناك في بلدنا الكريم من يقطع هذا الرزق على عباده المستضعفين. ورغم محاولات تدخل بعض الجمعيات الأجنبية في إطار عمل التضامن الإنساني الكوني لخلق هذا الرزق والنهوض بأوضاع ساكنة المنطقة النائية ، إلا انه غالبا ما يتعرض حتى هذا الرزق في جزء كبير منه للتحايل والنهب من لدن مليشيات وتجار الريع الذين خلقوا شبكات منظمة تربطها العشيرة والمصلحة الخاصة، شبكة تضرب بجذورها في عمق جهنم والإدارة المحلية وفي بعض الأحزاب وحتى الجمعيات التي تحالف بعض أفرادها ألمنعدمي الضمير مع الشيطان ليعيثوا في أرض المنطقة نهبا وفسادا وتحايلا، ولدى الساكنة الضحية حكايات كثيرة تؤرخ لوقائع كثيرة كانت شاهدة عليها في هذا المجال.
إن القصة هنا ليست قصة الجفاف الذي هو مشكلة عالمية ، بل المشكلة أيضا هي مشكلة جفاف العقول والريع والميز العشائري وقطع الرزق بالتحايل على عباد الله واستعبادهم وفق منطق إقصائي ممنهج بائد.فإذا جف سطح أرض المنطقة فإن في باطنها ثروات لا تعد ولاتحصى. ورغم كل هذه الثروات الهائلة المكتشفة وغير المكتشفة التي تنام عليها المنطقة الجرداء والتي تستغلها الدولة وسط تعتيم إعلامي مريب، ورغم محاولات بعض الجمعيات الأجنبية المساهمة في التنمية، تبقى الهجرة الى الخارج الى حد اليوم هي المصدر الوحيد والأساسي لعيش الساكنة، إذ لايخلو بيت من مهاجر واحد على الأقل يتكفل بأسرته الممتدة التي يمدها بمصدر رزقها بالعملة الصعبة من بلاد المهجر.. والى يومنا هذا لايعلم مسؤولونا أننا أبناء شعب عظيم زرع الله في أرضه كل الخيرات ويستحق الأفضل .. والمطلوب اليوم هو إيقاف هذه اللعبة القذرة، ليس بالوقوف على وجه المتظاهرين المسالمين الأبرياء وغير المؤطرين حين يخرجون الى الطرقات لإعلان صوتهم حين يصل السكين الى العظم ، بل بالوقوف أولا على وجه شبكات الريع العشائرية المحلية المنظمة والضرب على أيديها، وإطلاق مشاريع تنموية حقيقية تعيد الاعتبار للمنطقة وإنسانها وعلى رأس هذه المشاريع أولا وليس أخيرا، تزويد المنطقة بمشروع حقيقي للماء الصالح للشرب يستجيب لحاجيات الساكنة من هذه المادة الحيوية على غرار ما جرى بتافيلالت مع(مدينة الريصاني ،ارفود... )في أوخر القرن الماضي.
الصور المرفقة بالمقالة لساكنة تنوت نومردول و أيت الحبيب و تكلكولت، في مسيرة أحتجاجة بألنيف للمطالبة بربط دواويرها بالماء الصالح للشرب بتاريخ 09-05-16.





