زايد جرو + سعيد وعشى -  جديد انفو / متابعة

جني التمور بواحات درعة تافيلالت انطلق، والفلاحون يُصَبّحون ويُمَسّون على واحاتهم التقليدية التي لم تتطور زراعة منتوجاتها كثيرامنذ عقود، كما لم تتطور مشغولاتهم اليدوية التقليدية التي يباشرون بها عملهم في  حفر أتربة يابسة، قلما تُسقى بماء المطر لتوالي سنوات الجفاف الذي جعل منتوج هذه الواحات عجيفا.

الفلاحون التقليديون بكل واحات الجنوب الشرقي يشتغلون في ظروف صعبة، وكدهم في العمل يمتد طول السنة لجني منتوجات بسيطة يعلفون بها أغناهم، ويطعمون بها أبقارهم علَّ ضرعها يجود بلبن منعش بعد " مخضه " أو يجود نسلها بعجل سمين بعد رعايته و" تعليفه" أيضا لبيعه ليعوض بعض الخسائر السنوية حين تشح الواحة عطاء .

النخيل بواحات تافيلالت عماد السحر والجمال والعطاء، بعضها تم غرسه من الأجداد ليأكل الأحفاد، وبعضه نما هبة من الله ،فكبر الفيلاليون والتدغويون والدرعاويون وغيرهم على كرم الشجرة التي مجدها القرآن، ودامت لسنوات وستدوم مادات  الحياة مستمرة ،لكنها تتطلب العمل الدءوب و العمل المتعب منذ طراوة عروقها حتى تعلو لتداعب  خيوط الشمس وشعاع القمر.

وبزيارة قناة جديد أنفو لتلامس عن قرب كيفية الجني والعائدات الاقتصادية التي تدرها الشجرة على الدخل الفردي والجماعي لساكنة الواحات، صرح  بعض الفلاحين للقناة من واحة مزكيدة بتافيلالت بجملة من الإكراهات التي تواجه الفلاحين عموما والمنتجين التقليديين ،منها ما يتعلق بالنخيل نفسه، ومنها ما يتعلق بالتدخل المحتشم للدولة في مساعدة هؤلاء الفلاحين، لتطوير المنتوج أو للحفاظ على الأقل على النخيل من هلاك أمراض بيوض .

ففي تصريح لأحد الفلاحين بنوع من التحسر أكد أن النخيل قد شاخ وعلا في السماء كثيرا لأنه عمر طويلا، ويصعب صعوده بالشكل التقليدي  لتأبيره أو جنيه ثماره، فيبقى عطاؤه عرضة للتلف، والنخيل الذي مازال طريا يحتضر بدوره لقلة التساقطات المطرية ،ولا يُسقى إلا ناذرا، وحتى ماء سد الحسن الداخل قد شح مجراه كثيرا والفرشة المائية قد غارت، ويصعب أن تصل  جذور ذاك النخيل  الطري الأرض الرطبة لتُسقى ببعض الندى، وستموت بدورها، فالطويل صعب تسلقه والقصير صعب سقيه ومرض بيوض يلاحقه جميعا والنتيجة مستقبلا هو ضياع الواحة وانتعاش التصحر.

النخيل بواحات درعة تافيلالت  حسب تصريحات الفلاحين يستوجب تدخل الدولة بشكل كبير وباهتمام بالغ، وزيارة المسؤولين على القطاع الفلاحي لا يجب أن تكون موسمية  من أجل تعبئة محاضر لتعلق في الرفوف، بل يجب التدخل الفعلي المباشر بتوفير مستلزمات الجني الحديثة وتشجيع الفلاحين على تكوين تعاونيات فلاحية ودعمهم ماديا لشراء آلات يتناسب حجمها مع الممرات الضيقة بالواحات .

الفلاحون فقراء ودعم وزارة الفلاحة حسب تصريح بعض الفلاحين يكاد ينعدم، وكلفة الطاقة الشمسية عالية، وماء السد أحيانا طلقات مائه تخصص للأماكن الخضراء، أما اليابسة التي يتواجد فيها النخيل تمنع من السقي فكيف سيستمر عطاء  النخلة دون سقي، المنتوج من تمرالمجهول أو تمر بوفقوس يوجه غالبا للسوق ويتم استهلاك الأنواع الأخرى القليلة الجودة وتخزينه في المثلجات القليلة أو الشبه المنعدمة يتطلب طاقة مادية أخرى مما يجعل المنتوج معرضا للضياع والتسوس والغبار في غياب المنتخبين والمسؤولين الذين لا يزرون الواحات إلا ساعة الانتخابات فيحلقون كالنسور ببرامج  ورقية طموحة نظريا، وحين تنتهي الاستحقاقات تنتهي الأدوار في  اللعبة ليفوز من يتقن الدور المسرحي ببرنامجه أو بأشياء أخرى ليهاجر العقبان بمخالبهم الحادة فائزين بدعم صوت  صاحب الجناح القصير والمخلب الغض، واللقاء بحول الله في موسم الانتخابات المقبلة ويبقى الفلاح يحلم ويحلم حتى "يحمض" حلمه ،وتموت نخلته ليحول جذها سقفا لبيته الطيني، ويجف ضرع بقرته ليحولها الجزار لحما ويبيعها ويسوقها بثمن العجل الطري.

الفلاح متذمر والشباب عزف عن العمل في الواحات ورحل لأن التاريخ ورّثهم الفقر والحاجة والكفاف، وليست هناك تكوينات ولا مساعدات ولا تشجيعات بالطاقة الشمسية مثلا، وليس هناك قروض تفضيلية ولا محفزات للتشبث بهذا التراث المادي للمنطقة ،قد تكون مناطق معينة استفادت من المخطط الأخضر  واستفاد بعض الفلاحين من شتلات  زراعة نخيل المجهول في ضيعات كبيرة أو صغيرة لكن نفع هذه الضيعات الشاسعة خاص بأصحابها وبعيدة في رؤيتها وثقافة مالكيها عن ثقافة نخيل الواحة منذ القديم والذي كان شعار الفلاحين فيها وما زال" كول او ما ضّيعْش" وهذه الضيعات التي استفاد منها  بعض المحظوظين أوبعض المنعشين أصحاب" الشكارات" إذا اقترب منها الجوال ليذوق طعم تمرها الغليظ فالكلاب  الحقيقية ستنهشه وربما يكون غدا أمام قاضي التحقيق بتهمة سرقة " السيد " المجهول أو أشياء أخر أكثر تعقيدا من ذلك.