جديد انفو – متابعة ( كاريكاتير الشريف الإدريسي )
أنا طالب حذق متمكن صبور من ساكنة الجنوب الشرقي من قرية جبلية نائية عانيت أعواما وسنين بين جبالها في مسيرتي الدراسية من البيت إلى المدرسة الطينية، بين حمل خبز يابس محشو بالزيت والنمل والخواء إلى المطعم إلى الداخلية وانتهاء بالحي الجامعي ... ولبست ما لم يلبسه أحد من العري والحفي إلى الخرق والجلابيب الصوفية ومن الأحذية البلاستيكية الكثير، وركبت أنواع الدواب وعشقت بعضها أحبة وأحبابا ومعشوقات وركبت أصناف النقل السري مطايا كل أسبوع في التنقل، وتوسدت المعاناة من أجل استكمال دراستي الجامعية ولم أذق طعم التعثر الدراسي حتى نلت شهادتي الجامعية، فتوقف الحلم ولم ّأستيقظ ذات يوم ووجدت الحياة قد تغيرت قليلا، نامت الأحلام العام الأول والثاني والعام الموالي، ومازال الحال هو الحال ولم أحفظ من كلمات أبي وأمي غير الصبر والانتظار ... يوم السوق يوم للحياة في بداوتي ويجب أن أتنقل من أجل التقاط بعض الأخبار حول المباريات والامتحانات ولتبادل الكلام مع الذين عطلهم المغرب الحبيب والحكومات المتعاقبة التي جعلت المثقفين مشهدا من مشاهد الفرجة لتجريب الخطط والسيناريوهات، فخدرت الجميع بالصبر والطاعة وعلمتهم بأنْ الحياة معاناة لتعلمهم الركوع والتماس الشفقة.
وقد صدر من وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني في الأيام القليلة الماضية بلاغا صحفيا من أجل التوظيف فاهتزت الأسرة غبطة ونسيت حدود قلبي فرحا وكبر حلمي مع الصغار والكبار علني أصبح بائع حروف مرسم وأحظى بتوظيف مثل ابن خالتي خيرة وابن خالتي فطو وابنة أمي شاشة وأحظى براتب شهري أنقذ به أمي من رمد العين وأعالج به ظهر أبي المقوس بالروماتيزم ونغسل أمعاءنا جميعا بخبز نقي وإدام مدسم وأقف بدوري طول النهار أنبح كالكلب بين تلاميذ كالقرود يلهون ويعبثون حتى يجف حلقي ويضطرب قلبي كما قال يحيى حقي في قنديله، وأشارك في النقاش بدوري مع زملائي في العمل مواضيع مذكرات المواد المتقاربة والجمع بين السلكين والمستويات المتعددة وقبول أي تعيين باسم المصلحة وشيطنة المديرين والمديرات ونقلهم للأخبار الزائفة تزلفا وتقربا ومذكرات السلالم والدرجات وأجتر معهم الكلام كالإبل التي تجتر بالليل ما أكلته بالنهار... فإذا بي أجد نفسي في البلاغ الصحفي أمام عبارة " على غرار باقي المؤسسات العمومية " وإعمالا بأحكام المقرر المشترك ستقوم الأكاديميات بعملية توظيف بالعقود التي ستتجدد تلقائيا كل سنة ومسطرة التعاقد لا تخول لي بأي شكل من الأشكال الحق في الإدماج المباشر في أسلاك الوظيفة العمومية .
عدت من جديد أعد أدراجي لذاتي وضحكت من نفسي ومن حلمي الكبير الذي يكبركلما سمعت فرصا للتوظيف لأنه ليس من حق البؤساء مثلي الحلم كثيرا بمنطق القيم الرديئة، كان أبي مياوما وأمي مياومة عند أبي بالإطعام وعليها قضاء حاجاته حين تطيب وتينع رغبته، وألا تتكلم كثيرا، ولا تتألم في المرض وعليها بالتنظيف والكنس وإطعام الدواب وأن تقوم برضاعة أخي الصغير ويجب ألا يبكي كثيرا حتى لا يزعج الجميع في نومهم إذا طاب نومهم ، وأختي تقدم خدماتها للجيران بالمجان، وحتى أنا المثقف الذي انتظر طويلا من أجل أن أكون ما أكون سأصبح مثل أبي مياوما وحين أكبر وأعجز عن العمل سيتم تعويضي بواحد آخر تحت عبارة " نتأسف لعزلك لأنك لا تحترم رؤساءك " أو لأنك "شخت وقل عطاؤك " لأعيش على فتات التعويضات من صناديق الضمان الاجتماعي احتسابا لأيام الخدمة والعمل .
وسيمتعونني جزاهم الله طيلة مدة التعاقد حسب بلاغهم الصحفي بالحق في التكوين وإعادة التأهيل والحق في الرخص والاستفادة حتى من رخص الولادة إذا لم أكن عاقرا وبالمقابل ألتزم باحترام الأحكام الواردة في العقد والامتثال للتوجيهات وتعليمات الرؤساء وواجب الكتمان ولا أمارس أي عمل أو نشاط يذر لي ربحا أثناء مدة العقد إذا تم اختياري من لجن الانتقاء العالمة التي تشنق الأعناق بروابط تلوي بها رقاب الممتحنين حيث تدرك بفضل تضلعها في المعارف الفرق بين الديداكتيك والديداكسيولوجيا والحساب والحسابات والبؤرة والتبئير والعد الأمامي والعكسي وكل الأشياء ما ظهر منها وما بطن ،حفظهم الله جميعا من كل سوء ومكروه.
البنود طويلة والربح قليل فاحترت بين عقد العمل وعقد البطالة والتبطيل والعطالة والتعطيل وتعبت من الكذب على أبي بأن الحكومات تراعي مطالب الشباب فخاب ظني حتى في نفسي، ومللت الاستخفاف والدور والدوران في الخطابات حتى حفر البؤس في وجهي أخدودا وغار الأشقر من شعري وشاب ،ولله العوض على ما مضى وما سيأتي ومتى ستنتهي عطالتي هو سؤالي المستمر في فلسفة الوجود.