محسن الأكرمين - مكناس / جديد انفو

جمعة دستور المملكة المغربية بمكناس، هو المدخل الذي آثرنا استهلال رؤيتنا به لنتائج اللقاء الذي احتضنته قاعة الاجتماعات بملحقة العمالة بأكدال. اللقاء الذي كانت تيمته العليا تتبع المشاريع التنموية على صعيد مدينة مكناس.

إنه لقاء الحوار المفتوح بامتياز، الذي عمل على تنزيل فصول الدستور بكل أريحية وديمقراطية، فالعامل " يمثل ... السلطة المركزية في الجماعات الترابية." وهو كذلك" يساعد .... رؤساء الجماعات الترابية...، على تنفيذ المخططات والبرامج التنموية." (الفصل 145) . هنا مرجعية سياق لقاء الجمعة يتبين لنا بالوضوح، من حيث حجم الأدوار والمسؤوليات المنوطة بعامل الإقليم. فيما النقطة الثانية والتي كانت من بين الموجهات السليمة للدستور حين نص الفصل 139 على" تضع مجالس الجهات، والجماعات الترابية الأخرى، آليات تشاركية للحوار والتشاور، لتيسير مساهمة المواطنات والمواطنين والجمعيات في إعداد برامج التنمية وتتبعها".  دون أن نغفل ما ورد في (الفصل136) حين نص " يرتكز التنظيم ... الترابي ...على التعاون والتضامن؛  ويؤمن مشاركة السكان المعنيين في تدبير شؤونهم، والرفع من مساهمتهم في التنمية البشرية المندمجة والمستدامة."

ونقر القول أن هنالك عناصر ممتدة من سياق لقاء الجمعة. تلك العناصر الموالية للسياق الرئيس تتوزع ما بين السياسي والاجتماعي والاقتصادي للمدينة. هنا نكشف عن سياق مستوى الإحباط الذي أصاب المواطن المكناسي من وضعية تدبير التنمية المجالية للمدينة، هنا نعري عن خانة الانتظارية  التسويفة الذي طوحت بمدينة مكناس من عنصر الريادة إلى ما بعد حروف التوابع والجر، هنا نلامس كثلة اليأس من بطء سياسة معالجة اختلالات الشأن المجالي للمدينة والتي حركت مطالب المواطن المكناسي بالترديد الجماعي في الشارع العام. هي تلك السياقات التوابع من فعل انتقال شرارات الحراك الشمالي التي بدأت تصيب مدينة مقدمة جبال الريف.

من تم نستوثق من قولنا أن اللقاء من حيث تفعيل النص الدستوري هو ثورة حقيقة على تحنيط المقاربة التشاركية التي يطبقها المجلس الجماعي ، هو بداية انطلاقة لرؤية إستراتيجية تتحدد في التعاون على" ... تنفيذ المخططات والبرامج التنموية" بالمدينة بين كل الأقطاب الفاعلة. هي إذا اختصاصات عامل الإقليم في المراقبة وتتبع البرامج التنموية على مختلف المستويات.

في حين ندفع بالقول كذلك أن اللقاء هو واجهة إسفنجة لامتصاص الغصب المحلي - (الحراك المحلي من أجل العدالة الاجتماعية والكرامة) - من خلال الكشف ورفع الستار عن كل المشاريع الآنية، وكذلك المبرمجة استشرافا من طرف المجلس الجماعي أو تحت مظلة الدولة.

لقاء جمعة المكاشفة، حمل إلينا صورا تعبيرية مشفرة الملامح في الكلام والمداخلات. فحين استوفى العامل السيد عبد الغني الصبار مداخلته الافتتاحية ، انجلت للحضور الرؤية التامة حول مقومات التنمية المجالية بمكناس، انكشف غبار أتربة الإصلاحات البطيئة التي لوثت الرؤية الجمالية للمدينة عند من حضر أو سمع، اتضح أن مكناس يصلها نصيبها من المال العام حتى وإن قل حجمه. هي ذي الحقيقة التي أفزعت نخبا سياسية من المدينة . لكن القول الفصل أبان بالقطع (ما للدولة للدولة، وما للجماعة المحلية).

وللتاريخ نسجل مرة ثانية أن لقاء الجمعة، هو لقاء تفعيل الدستور حين نص في فصله 31 على أن " تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية، على تعبئة كل الوسائل المتاحة، لتيسير أسباب استفادة المواطنين والمواطنات، على قدم المساواة، من الحق في :العلاج والعناية الصحية ؛ الحماية الاجتماعية والتغطية الصحية، والتضامن التعاضدي أو المنظم من لدن الدولة ؛ الحصول على تعليم عصري ميسر الولوج وذي جودة ؛ التنشئة على التشبث بالهوية المغربية، والثوابت الوطنية الراسخة ؛  التكوين المهني والاستفادة من التربية البدنية والفنية ؛ السكن اللائق ؛ الشغل والدعم من طرف السلطات العمومية في البحث عن منصب شغل، أو في التشغيل الذاتي ؛ ولوج الوظائف العمومية حسب الاستحقاق ؛ الحصول على الماء والعيش في بيئة سليمة ؛ التنمية المستدامة" .

ممكن للقارئ والمتتبع أن يتساءل لما أوثر تعزيز ملاحظاتي عن لقاء الجمعة بنصوص دستورية؟، لما استحضرت (الفصل 31) بتمامه؟.  نعم،  لمسارات الفعل الديمقراطي عدة موجهات أساسية ركيزة . إنها موجهات المقاربة التشاركية التي جعلت من المجتمع المدني قوة اقتراحية يدلي برأيه في النقاش من أجل الصالح العام للمدينة، إنه مبدأ رؤية الاستقلالية التي دبرها السيد العامل بلقاء الجمعة بين التنصيص على مساهمات الدولة من المال العام ،  وبين أدوار المجالس الجماعية المنتخبة والمتمثلة في البحث عن الاستثمارات وتحريك عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والرياضية والجمالية بالمدينة.

إنه مبدأ التكامل الذي عززت به السلطة المحلية اختصاصاتها من أجل تنمية مستدامة بالمدينة بجودة تامة، إنه مبدأ النجاعة  والتي كانت إشاراته علانية وضمنية في مداخلة عامل الإقليم من خلال فتح باب المساءلة المواطنة كآلية للحكامة وتدبير التغيير المجالي للمدينة.

لنعد إلى مداخلات المجتمع المدني وهي الملاحظات التي ممكن ألا تكون عادلة باتجاهه، لأنها تتحدد بسبق النقد. فجل المداخلات كانت تحمل مطالب حي أو مرفق، أو فئة اجتماعية معينة، أو فئة تنشط في مجال الرياضة، أو مطالب بيئية.

جل المداخلات لم تخرج عن نطاق الصحة، التعليم، البنية التحتية، الوسط البيئي، المجال الرياضي... نعم، هناك نقائص جلية واختلالات في كل المجالات المذكورة ، لكن العيب، العيب في افتقاد المجتمع المدني الحاضر بالقاعة لمقاربة رؤية شمولية لكل المشاكل التي تقع المدينة في فجوتها، العيب في طرح الاختلالات الجزئية والتي هي غير ما مرة نقول بأنها واجبة الوجود والدستور يستعرضها بالإجمال في فصله (31) وهي من المسؤوليات الضرورية التي يجب توفيرها بالجودة والحكامة العادلة. العيب في عدم توسيع حقينة حضور ممثلي المجتمع المدني والإعلام، العيب في أن النقاش لم يستهدف بقوة عارضة ثالوث مطالب حراك شارع (العدالة الاجتماعية والكرامة والحرية).

خير الختم من لقاء الجمعة إشارة نرفقها بأماني المستوى الذي يخلق التعاقد الثلاثي بين ممثل سلطة الدولة (عامل الإقليم) وبين ممثلي الشعب (المجالس الجماعية) وبين حوض المجتمع المدني (منظمات المجتمع المدني). تعاقد يطرح المشاكل بحجمها الأكبر على صعيد مدينة مكناس، كما يطرح البدائل التوافقية لأجل تنمية مستدامة بالمدينة.

لحد الآن، إصلاح المجال الحضاري بمكناس لا زالت خريطة جغرافيته معطلة الأجنحة، ولم تنجل أتربة الحفر والأشغال البطيئة. لحد الآن، نعترف بإصلاح واحد ووحيد تم تحت يافطة المجلس الجماعي بمكناس،هو إصلاح (الزواكة) ككشف تاريخي موثق بالصور والتتبع. "الزواكة" أصلحت استعدادا لإطلاق صفيرة يوم الإفطار لكنها الأقدار عاكست رؤية المجلس، فهي لن تصفر في هذه السنة مادام أن يوم العيد أصبح معلوما لدينا، وكل عام سادتي الكرام وأنتم بألف خير.