أحمد بيضي
تم تطويق محيط مبنى عمالة إقليم خنيفرة بحشد من أفراد القوات العمومية، يوم الجمعة 2 فبراير 2018، لمنع مسيرات احتجاجية من عدة أحياء بالمدينة، كان المتظاهرون فيها يعتزمون الوصول إلى باب هذه العمالة، للتعبير عن سخطهم العام إزاء غض الطرف عن أصواتهم ونداءاتهم، إذ بقدر ما عاشت خنيفرة هذا اليوم تحت مناخ بارد عاشت أيضا غضبا ساخنا، من خلال “الانتفاضة الحاشدة” التي شاركت فيها أحياء شعبية مثل آمالو إغريبن (ضد تفويت حديقة عمومية لبعض الأعيان ومافيا العقار)، المسيرة السفلى (ضد عدم الربط بالشبكة الكهربائية) وتيزي الميزان (ضد عملية تثبيت لاقط هاتفي)، ثم حي حدو نحليمة (ضد ترخيص السلطات بفتح خمارة وسط الحي)..إلخ.
واتسعت دائرة الاحتجاجات بالتحاق أحياء أخرى للاحتجاج المشترك على مظاهر التهميش والقمع والفساد والفقر والهشاشة والغلاء وتردي البنى التحتية وسوء التسيير وغيرها (…)، حيث ألقيت عدة كلمات تم تتويجها بكلمة ختامية لوحت بتوسيع رقعة الاحتجاج والمزيد من التصعيد، كما تعززت “الانتفاضة” بمشاركة قافلة تضامنية من بلدة أجلموس، في شخص عدد من مناضلي هذه البلدة المناضلة و”معتصمي 2012″ الذين قدموا تحت يافطة تعبر عن تشبث الساكنة بنتائج حوار 3 فبراير 2012 في شأن الوضع الصحي السيء بالمنطقة.
ومن الأحياء المشاركة، حي آمالو إغريبن، وهو أكبر أحياء المدينة، الذي عاد ليعيش أجواء من الاحتقان الشعبي، إثر تملص بلدية المدينة من تعهداتها والتزاماتها بشأن التراجع عن تفويت حديقة عمومية، والتي فات أن حسمت ملفها، تحت إشراف السلطات الإقليمية، وعادت لنقطة الصفر بعد انكشاف رغبتها في الحفاظ على أجزاء من هذه الحديقة لفائدة بعض الأعيان ومافيا العقار، حيث ردد المتظاهرون مجموعة من الهتافات التي شددوا فيها على عدم التفريط في أي شبر من تراب الحديقة، والمطالبة بالتحقيق في خلفيات تأخر الجهات المعنية عن دورها في حماية المساحات الخضراء من باب حق الإنسان في البيئة المنصوص عليه في المواثيق الدولية والدستور الجديد ومدونات التعمير.
ومن خلال صيحاتهم، لم يفت المتظاهرين التعبير عن إدانتهم الشديدة للوضعية الكارثية التي يعرفها الشارع الرئيسي (المسيرة)، وللتهميش المظلم الذي تعاني منه باقي أزقة الحي الذي يتجاوز عدد سكانه ال 50 ألف نسمة، وكيف لا يتوفر على أي مساحة خضراء ولا ملعب للقرب ولا دار للشباب ولا مركز صحي مجهز باللوازم الضرورية، وكانت محاولة تفويت الحديقة الممتدة على مساحة 4382,59 مترا مربعا، قد أثارت سلسلة من الاحتجاجات، بينما بادر عدد من الفاعلين إلى خلق جبهة تحت اسم «تنسيقية أنقذوا حديقة أمالو إغريبن من أباطرة العقار»، ومن خلالها انخرطت عدة فعاليات مدنية في ما تم وصفه ب»المعركة الخضراء» من أجل تحرير المتنفس الوحيد على مستوى الحي وباقي الأحياء المجاورة له، مثل موحى وبوعزة، تاغزوت، تيزي الميزان، بولمحاكن، آيت خاصة، الزيتون، اوسحاق، لاسيري، وغيرها.
ومن «ضرائب الاحتجاج»، يشار إلى أن أزيد من 320 مواطنا، وفي سابقة هي الأولى من نوعها عالميا، فات لهم أن فوجئوا، يوم الاثنين 22 شتنبر 2014، باستدعاءات للمثول أمام المحكمة الابتدائية بخنيفرة، ولا يزال الملف يروج أمام هذه المحكمة، وذلك على خلفية معارضتهم لعملية تفويت الحديقة لمستثمر عقاري، ويشددون على مطالبتهم بإيقاف الدعوى القضائية مادام اتفاق المجلسين البلدي والإقليمي على شراء الأرض بالتراضي سيلغيها، مع المطالبة بما يلزم من التحقيقات لتحديد المسؤوليات.
وبخصوص احتجاجات حي المسيرة السفلى، فقد جاءت ردا على التسويفات والوعود العقيمة التي اعتادت الجهات المسؤولة والمنتخبة التعامل بها معهم، وذلك بعد يومين فقط من مسيرة نظمها سكان هذا الحي، صباح الأربعاء 31 يناير 2018، مؤازرين بنشطاء من «التنسيقية المحلية لمناهضة الفساد»، توجهوا بها نحو مقر عمالة الإقليم، دون أن تتوقف حناجرهم عن ترديد مجموعة من الهتافات المنددة بتجاهل معاناتهم مع عدم ربط بيوتهم بشبكة الكهرباء، وعددهم يتجاوز 40 أسرة، رغم استمرارهم، منذ أزيد من 20 سنة، في إمطار مكاتب المسؤولين بالشكايات والنداءات، وقد ارتقى بهم سخطهم إلى درجة الإصرار على تحدي الحصار المضروب عليهم من طرف القوات العمومية التي تدخلت بعنف لتفريقهم، وسجلت إصابة مواطن وطفلة في السابعة من عمرها، وقد تدخل بعض المتظاهرين والحقوقيين بكلمات قوية ضد مظاهر القمع و»الحكرة» التي تتعامل بها الجهات المسؤولة مع المواطنين البسطاء.
وشدد سكان حي المسيرة السفلى، من جديد، على ضرورة إيجاد حل فوري لوضعيتهم، بالحد من سياسة التسويف والوعود الزائفة، ومن التبريرات المهزوزة التي لا تقل عن كونهم يقطنون تحت خطوط تيار الضغط العالي، ويؤكدون أنهم شيدوا بيوتهم بعد الكثير من المكابدة، وأن حرمانهم من خدمات الكهرباء يزيد من تعاستهم وتعاسة أطفالهم، ويجعل حياتهم تسبح تحت رحمة الظلام والمخاطر، دون أن يعثر أي أحد منهم على أدنى تفسير لمعنى حرمانهم من الكهرباء والنور، علما أن جل البيوت المجاورة قد استفادت من الكهرباء، وإلى حدود الساعة مازالوا يعتمدون على الشموع أو بطاريات السيارات، والوسائل المتاحة، للإنارة ومتابعة برامج التلفزيون وانكباب أبنائهم على الواجبات الدراسية، وهو ما أكده، خلال مسيرة سابقة، تلاميذ ونساء ومرضى في كلمات لهم أمام مرأى ومسمع من السلطات والقوات العمومية، بينما عبر أحد الحقوقيين عن استغرابه حيال بلد أطلق قمرا اصطناعيا وفي قلبه حي سكني من دون مصباح.
ولم يفت سكان حي «تيزي الميزان» بدورهم المشاركة في «مسيرة الجمعة» ردا على منطق التجاهل الذي تتعامل به الجهات المسؤولة مع نداءاتهم في ما يتعلق بعملية تثبيت لاقط هوائي لإحدى شركات الاتصال الهاتفي (الريزو)، حيث واجهوا هذا الفعل بالاحتجاج والتنديد، بمؤازرة «التنسيقية المحلية لمناهضة الفساد»، ومطالبة الجهات المسؤولة بالتدخل لإيقاف عمل هذا الجهاز الذي لم تقم الجهات المسؤولة بالإعلان عنه لمعرفة رأي سكان الحي وما جاوره، وجميعهم يرفضون وجوده بالنظر لما قد يشكله من أضرار على صحتهم وصحة أطفالهم وشيوخهم ومرضاهم، بناء على ما تؤكده الدراسات والأبحاث من نتائج تحذر مما تحمله مثل هذه الأجهزة من إشعاعات وذبذبات كهرومغناطيسية تتسبب في مضاعفات صحية، رغم محاولات بعض الشركات «تكذيب» هذه الدراسات بهاجس التنافس والربح المادي وتقوية الشبكة دون احترام لا للإنسان ولا لمعايير منظمة الاتصالات الدولية ونصائح منظمة الصحة العالمية.
المصدر: جريدة "الاتحاد الاشتراكي" - الاثنين 5 فبراير 2018