لحسن بوتسكاوين – إكنيون/ جديد أنفو

لم أفكر يوما أن أصعد تلك التلة التي شُيِّدَت فوقها “القْشْلَة”  بمركز اكنيون، رغم أن عيوني انفتحت عليها  منذ الطفولة، و رغم ما سمعته عنها من قصص تاريخية و طرائف كثيرة، حكاها لنا الكبار بكل أمانة.

في الأسبوع الماضي ،خلال العطلة الربيعية، لَعَنْتُ إبليس و عقدت العزم للصعود و زيارة تلك الأطلال لأول مرة في حياتي، قلت في نفسي لماذا لم أفكر مطلقا لزيارتها فيما مضى ؟ ألم تكن جزءا من ذاكرة أجدادنا ؟ألم تبْنَى بعرق جبين أيت عطا؟ السجناء منهم و الأحرار في ما يسمى ظلما بالكْلفْتْ؟

عقدت العزم رفقة بعض الأصدقاء،و بدأنا نصعد  بخطوات متثاقلة ، نتوقف بين الفينة والأخرى لنستشرف مركز اكنيون و الدواوير المجاورة من الأعلى، إنه منظر باذخ فعلا ،شيئا فشيئا أدركت السبب الذي جعل المهندس الفرنسي يختار فوق ذلك المكان  لتشييدها.إنه مكان استراتيجي يسمح بمراقبة جميع الجهات بسهولة تامة.

لما دلفنا المكان فاحت منه روائح مشبعة بعبق التاريخ ممزوجة بروائح أخرى نتنة، لقد تحول المكان إلى مرحاض كبير السقوف و الجدارات الحجرية مازالت تكافح نوائب الزمن و أيادي الإنسان الهدامة و التي تزيل و تخرب كل ما تراه صالحا. رغم ذلك فهي مازالت واقفة شامخة شموخ أبي الهول في صحرائه، تطل على المنطقة كأنها حارس أمين.

هذه "القشلة" عبارة عن قلعة بُنِيَتْ فوق ربوة مرتفعة تطل على المنطقة على جميع الجهات، تتكون من عدة غرف مختلفة الأحجام و مخازن بأبواب حديدية يُرَجّح أنها كانت تستعمل لحفظ و تخزين الأسلحة، بالإضافة إلى حمام و ممرات صغيرة كأنها متاهات، يحيط بها سوران أمنيان من الأحجار و الإسمنت، تتخللهما أبواب كبيرة لا مناص من المرور عبرها للدخول إليها. لابد أن السبب الرئيسي الذي دفع مهندسها لاختيار هذا المكان هو الخوف.الخوف ممن؟ طبعا من هجمات "أُوعْطّى" الذي قد يتسلل ليلا بخنجره إلى داخلها و يذبح صاحب العيون الزرقاء من الوريد إلى الوريد في غفلة من الحراس الكثيرين.

في طريقنا أثناء الصعود توقفنا أمام الصهريج الذي يزود إكنيون بالماء الصالح للشرب، و أثارتني حالته المتردية و الذي يبدو و كأنه أقدم بكثير من القْشْلَة نفسها.و أثناء تجوالي داخل القلعة رفقة أصدقائي ،توقفنا أمام صهريج آخر أنيق وقف شامخا صامدا، التفت إلى صديقي و استفسرته ليؤكد لي أن هذا الصهريج أقدم بكثير من الذي صادفناه أثناء الصعود. شتان بين الإثنين. إنه عنوان عريض لغياب الجدية في كل شيء في زمننا الحالي..

وَقَفْتُ فوق أطلال القلعة،التي تصارع من أجل البقاء، أنْظُرُ إلى الدواوير المجاورة مستمتعا بتلك المناظر،الشيء الوحيد الذي نغص استمتاعي هو الأسئلة التي تتراقص في ذهني و مع نفسي: ألا تستحق هذه المعلمة قليلا  من اهتمام المسؤولين على المستوى الإقليمي و المحلي؟ ألا تستحق الترميم و تحويلها إلى معلمة لحفظ الذاكرة؟ أو إلى متحف أو مستشفى أو مركز ثقافي تدبّ فيه الحركة و يليق بأبناء مقاومي أيت عطا؟...

إنها جزء من تاريخنا و ذاكرتنا ..و من لا يهتم  بتاريخه فلا مستقبل له.