أحمد بيضي - خنيفرة / جديد أنفو
 
في حفل استثنائي وغير مسبوق، شهد المركز الثقافي أبو القاسم الزياني بخنيفرة حفل تكريم على شرف المواطنة الخمسينية، السيدة بدة جواد، التي تمكنت من هزم الأمية بكل قوة وعزيمة، وبرهنت على تحديها من خلال كتابتها للمصحف الكريم بشكل جميل من فنون الخط المغربي الأصيل، إضافة إلى لوحات حاملة لآيات قرآنية وعبارات دينية بجمالية أدهشت ضيوف الحفل، وتناغم فيها التجريد الهندسي بالعمل الفني والمتعة النظرية، والتي بها لخصت المحتفى بها قصة كفاحها ضد الأمية وأتثبت للجميع، والنساء خاصة، أن العلم نور بالفعل، سيما بعد رؤية الحضور لشريط تم عرضه بالمناسبة وفيه ملخص لحياة حربها ضد ظلام الأمية، ودعوتها لكل النساء المغربيات إلى الإيمان بالإرادة والتحدي للوصول إلى المبتغى.
 
حفل التكريم الذي نظمه "موقع مملكتنا"، بشراكة مع المجلس العلمي المحلي والمندوبية الإقليمية للأوقاف والشؤون الإسلامية وعمالة الإقليم والمجلس البلدي، تميز بحضور نسائي لافت، وفعاليات محلية من كل المشارب والأطياف، ولم يفت خلاله مدير "موقع مملكتنا"، محمد خطابي، التأكيد على أن "هذا اليوم سيمثل لحظة تاريخية برمزيتها ودلالتها"، موجها تحيته للالتفاتة الفاعلة تجاه المحتفى بها، والتي هي "تكريم لكل النساء الأطلسيات الخنيفريات الأمازيغيات" في شتى المجالات.
 
وقد ازداد الحفل رونقا باختيار الشاعرة نعيمة قصباوي لتسيير فقراته، وقد افتتحت هذا الحفل بتقديرها للمحتفى بها التي "حققت حلمها على قارعة الحرف بروح العزيمة"، و"تحدت الإقصاء والاستسلام وقالت نعم للكلمات، حيث على هذه الأرض ما يستحق الحياة"، لأنها المرأة التي "حملت حفنة ضوء وكثير من الإرادة والتحدي لتشق طريقها نحو ضوء إقرأ بكل عشق" وصاحت "أنا أقرأ إذن أنا موجود"، وبعدها لم تجف حنجرة الشاعرة قصباوي عن تقريب المسافة بين الحضور والحدث.
 
ومن جهته، لم يفت رئيس المجلس العلمي المحلي، الدكتور المصطفى زمهنى، اعتبار حالة السيدة بدة جواد بمثابة "نموذج للاجتهاد والإبداع والطموح والأمل"، مؤكدا أن "الحفل يتضمن جانبا شكليا يرى أن هذه السيدة قطعت الصلة بالأمية من أجل العلم والمعرفة، وهو أمر ضروري في حياة الناس، بينما الجانب الثاني، وهو ضمني، يتعلق باحتفاء حقيقي بقيم العلم والثقافة في وقت تعاني فيه هذه الثقافة من غربة شديدة في قلب ديارها"، مشيرا إلى "أن الإقبال على المعرفة هو من صميم المبادئ الأساسية والقيم الأصيلة التي لا بد من نهجها وأخذها بعين التقدير والاهتمام".
 
وعن المحتفى بها، انطلق الدكتور زمهنى من كونها امرأة، وهو ما "زاد للحفل عظمة وبهاء لأن التاريخ المغربي كان من النساء اللواتي تألقن في شتى المجالات"، و"كان لهن الدور العميق في المجتمع والحضارة، وجل العلماء كانوا منتوجا لأمهاتهم ونسائهم وأخواتهم"، مستحضرا بعض الأئمة والرواة والعلماء الذين كان لدور المرأة في حياتهم الأثر الكبير"، ولاشك، يضيف الدكتور زمهنى، في أن المرأة المؤمنة بقيم العلم ستُرضِع لبن ذلك لمحيطها الأسري.
 
أما المندوب الإقليمي لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، ذ. الحبيب الكردودي، فاعتبر التظاهرة من "حسنات الاعتراف"، والتي "إن دلت على شيء فإنما تدل على إحياء الضمائر والإحسان للمرأة ورعايتها وتكريم الوجه الخير لها ومساعدتها على تفجير طاقاتها"، مستحضرا "جهود الدولة والمجتمع المدني للقضاء على آفة الأمية"، وما تقوم به مندوبيته من برامج في هذا الشأن، ولم تفته بالمناسبة الإشارة للخطاط، ابن خنيفرة، محمد سليم، الفائز بجائزة محمد السادس لفن الخط العربي، والذي أبى إلى أن يحضر حفل تكريم المواطنة بدة جواد.
 
وبدوره، تطرق ممثل الأطر التربوية المشرفة على محاربة الأمية بمساجد خنيفرة، عبدالرحيم السراري، إلى مضامين فلسفة برنامج محاربة الأمية، والتكوينات التي يتلقاها المؤطرون والمؤطرات بغاية إنجاح مهمة تعليم المستفيدات والمستفيدين، وترسيخ روح الرغبة والتضحية والإبداع والتنافسية فيهم، بينما لم تفته الإشارة لمشروع كتابة القرآن الكريم بخط اليد، والذي تم إشراك المستفيدات فيه، وعددهم 77 ألف امرأة الذي هو عدد كلمات القرآن، على أساس أن تكتب كل واحدة من النساء المستفيدات كلمة مطلوبة على ورق نموذجي في أفق تجميعها في إنتاج مصحف كامل، وبخط موحد متفق عليه.
 
الفنان الملتزم، معاذ التهادي، حمل عوده وحضر الحفل بمقاطع غنائية، لا تقل عن أدائه ابتهال "يا مؤنسا روحي" للرائع لطفي بوشناق، وعلى معزوفات هادئة من أنامله شاركت الشاعرة مالكة حبرشيد بمجموعة من قصائدها، التي أشعرت من خلالها حول "المقدمة الحائرة بين النص والبدايات"، ومعنى "الاختباء وراء المرآة"، و"النبض الذي ليس عليه أي حرج"، حيث استدرجت الحضور لكلماتها المتدفقة، حين نادت باقتلاع الحاضر من جذوره لإعادة رسم الكلمات بصبر المعجزات، وأنشدت "للقمر الذي يطل من خلف الغيوم" حيث الابتسامة الخجولة والمعتقلة لدى المدى.
 
ووسط الزغاريد والصلاة على النبي، تقدمت المحتفى بها، بدة جواد، بكلمة عفوية يشع منها الصدق والانتصار والثقة بالنفس، شكرت فيها كل المدعمين والمساندين والمشجعين، مع دعوتها لكل النساء الأميات للقراءة والكتابة ونهج طريق الاجتهاد من أجل المعرفة والعلم لأهمية ذلك في الحياة والمجتمع، وضرورة إنسانية في تربية الأجيال وتحسين ظروف عيش الأسر والتفقه في أصول الدين على الوجه الصحيح، ذلك قبل إسدال الستار على الحفل بتسليم جوائز وهدايا رمزية لهذه السيدة، والانتقال إلى حفل شاي على شرف الجميع.