زايد جرو - الرشيدية / جديد انفو
 
التلميذ مفيد عاش الشقاوة منذ الطفولة، تربى على يد والده الفلاح البسيط غير المبالي، والذي كان يستخدم أعنف وسائل الضرب في التربية، وفي إحدى الأيام عندما كان غاضبا قام بقطع ذنب حمار أحد الفلاحين، قطعه بسكين كان يحمله معه على الدوام انتقاما من جارهم الذي كان يشتكي لوالده ما كان يقوم به من شيطنة، فقام والده بربطه بالحبال واحكام الوثاق عليه بشجرة، ثم انهال عليه ضرباً ب "الكرباج " و بقشاطة العسكري، ولم يكتف بذلك، بل تم "فلقة " أمام رجال البلدة ونسائها و صغارها، فسبب له الفعل الأذى النفسي وولد لديه العدوانية الشديدة ،فلما سألوه لِما الفعل قال : الحق ليس علي ، بل على ذَنب الحمار الذي كان طويلا وجميلا ،وفي نهايته باقة من الشَّعر ،وفعلت ذلك لرغبتي في استخدامه "كرباجا " وأكش بطرفه المُشعر على الذباب.
 
قام مفيد صباحا للمدرسة فوجد ذنب الحمار قد سبقه اليها لأن الجار صاحب الحمار عمل من الحدث فضيحة ،لم يترك بيتا او سوقا او قرية الا دار فيها حاملا ذنب حماره المقطوع، والدم ينقط منه، وكان ذلك حادثا غير مألوف ، وهي فضيحة بجَرس ،ضحك الناس وهم يتناولون الذنب بين ايديهم ، يتأملونه ، يتأسفون على جماله ،يعَزون صاحب الحمار في مُصابه ، يوصونه بان يلصقه بمؤخرته هو سخرية ،فعاد صاحب الحمار موضوع تنكيت بين الناس.
 
التلميذ مفيد لم يكن يطيق المدرسة فسألته والدته عن السبب فقال ،ان الاستاذ "شعبان " كان ينكش انفه ،ويأكل ما يخرجه منه ،وأقرف منه، وانا لا اطيقه ولا اطيق المدرسة لأني غير قادر على حفظ الدروس، و اَحَب الاصوات الي هو حين يدق جرس الخروج ،وتوالت شيطنته بضرب الأستاذ من الخلف ،وإضحاك زملائه على معلمه ،وتعذيبه بشتى الوسائل بإثارة الفوضى ،وتكسير الطاولات ،وتلطيخ اللوح الأسود بما يستحيي الفرد ذكره في رمضان ،وبأجوبة تثير الضحك ... وعندما يعطي بالظهر يقوم مفيد بحركات تضحك الأولاد، ويجعل منه قردا في كل حصة صباحية او مسائية ، سأله الأستاذ هل انت شقي؟ ، اجاب نعم معلمي ؟ وهل انت كلب ؟ أجاب نعم معلمي؟ و هل انت حمار ؟ قال نعم معلمي، فنعته بكل الأوصاف حتى تعب المعلم وانتهى قاموسه ولم يتعب المتعلم ،لينتهي به الامر خارج أسوار التعلم ،وخارج القرية لتستمر شيطنته في مدينة اخرى.
 
ما فعله "مفيد" غير المفيد كما كان يلقبه ابوه، بل يضيف له اسما اخر حين يغضب كثيرا فيناديه يا "ضار " لكثرة الحاقه الضرر بالآخرين فما فعله ليس بالبعيد عما قام به التلميذ بمؤسسة تعليمية بمدينة برشيد بالأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لجهة الدار البيضاء ،حيث أحضر حمارا وركبه وطاف به المؤسسة ،ومن حوله أصدقاؤه يقهقهون ويصورون ، فتحولت المؤسسة وباحتها لفضاء مسرحي ، اشتغلت على مادته المواقع الاجتماعية والالكترونية ،وتنظيمات الوات ساب لينتهي الامر بتبادل الاتهامات بين المدرس والتلميذ ،وتطورت القضية بإرسال لجن لزيارة المؤسسة يوم الأربعاء 23 ماي، للوقوف على ملابسات الحادث وثبت ان الأمر يتعلق بعمل متهور قام به بعض التلاميذ وان حارس الأمن الخاص أخل بواجبه المهني في مراقبة عملية الدخول والخروج ، وعدم تواجده حينها بباب المؤسسة، وهي القضية الشبيهة بما كتبه عبد الله العروي في اوراقه: فعوض ان نعاقب سارق البيت حقا وشرعا ، فإننا نعاقب صاحب البيت الذي ترك الباب مفتوحا، وسهل للسارق المأمورية ،وفي نهاية المطاف فالسلوك لا يعدو ان يكون مجرد تهور وشيطنة داخل مؤسسة تربوية بنيت في الاصل للدراسة والتعلم لا للتسلية والشغب .
 
حمار الجار اصبح بلا ذنب ولن يستطيع صاحبه بيعه، ويريد ثمنه تعويضا، ولم يرد ان يسقط حقه ،ولن يطمر ذنب الحمار ويعتبر المسألة منتهية ، وما ذا سيفعل بالذنب هل يعلقه زينة بالبيت ؟ والمدرسة ببرشيد بدورها تمرغت كرامتها وبلغتها الإساءة وهي على كل لسان داخل الوطن وخارجه ،ولا يجب ان يسقط حقها ،بل لا يجب ان يسقط حق الأطر وحق الوزارة والحق العام في المس بكرامة التعلم والمدرسة العمومية.
 
التشابه كبير بين مفيد وحمار الجار في عمل روائي للكاتب السوري حنا مينة في روايته "نهاية رجل شجاع "،وبين تلميذ مؤسسة برشيد ويلتقيان معا في فعل الإساءة والتهور من سلوك أرعن، وكثير من أمثالهما يعيشون بيننا وهم اطفال يجرفهم سوء المعامله بالبيت والشارع إلى طرق الرذيلة ،وتتقوى فيهم العداونية والكراهية، وقد كثر العفن والتعفن والخمج في الشارع المغربي وانتقلت سلوكيات أرذل للصف الدراسي تحت غطاء مذكرات قهرت المؤسسات التربوية فعجزت عن اتخاذ أي إجراء حقيقي يمس حق المتعلمين في التعلم بناء على المواثيق الوطنية والدولية ،وتحت ذريعة أنهم اطفال صغار، وقد وهب لهم التسامح والتصالح والحق في التعلم قوة وجرأة زائدة عن اللزوم ،فلا أحد يستطيع ان يقف في وجوههم وهم مدججون بأسلحة عالية التقنية في التصوير وسرعة النشر على المواقع الاجتماعية والالكترونية وتنظيمات الوت ساب وغيرها.... مما جعل الكثير من الأطر التعليمية ذات الكفاءة العالية "تصرط "الغصة تحت ذريعة محاربة الكفاف والتسول والفقر والهشاشة وتستمر في العمل ،واخرى فرت بجلودها ورفضت المغامرة وغادرت أعشاشها مبكرا مرغمة ،رغم عشقها للمهنة باختيار تقاعدها النسبي ، تجنبا لخدش الحياء وحفاظا على الكرامة في ما تبقى من العمر .