زايد جرو – مرزوكة / جديد انفو
القليل من الجيل الصاعد بجماعة الطاوس من يعرف كيف كانت طريق مرزوكة قبل تعبيدها في السبيعنيات والثمانينيات وما قبل ذلك التاريخ والكثير من الجيل الصاعد وجد كل شيء مهيأ لإنجاز مشاريعه السياحية ، بل يجهل الكثير منهم أيضا معاناة الساكنة في السابق للوصول الى" تفيلالت " كما يسمونها محملين بما تجود به الواحة من تمر " بوفقوس او المجهول " اوالجلود او الأغنام لبيعها ل " فيلالة " الذين ينتظرون قدوم " السواقة "من مرزوكة والطاوس بكل شغف .
الطريق نحو مرزوكة وجماعة الطاوس كانت "مغبرة" لا تصل بيتك الا بشق الأنفس حيت كانت المعبدة تنتهي بجوار مؤسسة بئر انزران بالريصاني لتبدأ المعاناة ، الآتون من جدايد واوزينة والطاوس ومرزوكة وحاسي لبيض .. يستيقظون مع طلوع الفجر او قبله بقليل ،وبعد احتساء الشاي مع برودة نسيم الصباح ينتظر الجميع " كلاكسون " البيرلي الصفراء أو فورد او بيدفورد الحمراء التي لا يحب سائقها ان ينتظر كثيرا ،وعليك ان تكون على الأهبة او ستبقى في المكان في انتظار يوم السوق المقبل الذي يكون ثلاثة مرات في الأسبوع بالريصاني الأحد والثلاثاء والخميس.
تسمع "لكلاكسون " تخرج بسرعة تجد المتسوقين فوق شاحنة البيرلي بعضهم واقف والبعض الآخر جالس من الرجال والنساء والاطفال والبعض فوق "لاكابين" والى جانبك في بعض الاحيان عجل ينطح او معزة تتبول او حمار ينعق ويتبول بما اوتي من قوة ولا يهم لان الحياة مآرب والمحظوظات من النساء بداخل لاكابين بعد حجز المكان بيومين او اكثر وعيب ان يركب فيه الرجال بجانب السائق والنساء فوق الشاحنة ... تضع سلعتك بجانبك والسائق "حدى أوركش" او "حدى اويدير" او "اومعمر "رحمة الله عليهم جميعا ينظرون من الجوانب حتى لا يتركوا أحدا ليس طمعا في ثمن النقل الزهيد بل انسانية وجودا وخدمة للمنطقة.
تصعد للشاحنة التي تبدأ في التحرك بين العديد من الطرق المؤدية للريصاني ،وكأن كل سائق صنع لنفسه مسلكا يكون رطبا للحفاظ على العجلات... الناس يتمايلون يضرب بعضهم بعضا مرة تعانق رجلا ومرة معزة وتبتعد ما امكن عن جهة النساء حشمة ووقارا، وحين تقف الشاحنة وسط الرمال يتعاون الجميع ولا مشكل ،الصبر من أجل الوصول والتبضع ، الغبار الرقيق في الطريق قوي ولا يطاق وما تلبسه يصبح أبيض، العمامات السوداء تسوَدْ ويصل الراكبون المعذبون الى الريصاني وكل ينفض عنه الغبار ولا مشكل لغياب البديل وبجانبهم "عمو " ن "تقورارات" ومن حوله موقد النار و" لبادا " بشتى الأشكال والأنواع ، ثم ترى الجحافل من فيلالة " التجار إسَبّابْن " يطوفون بجانب البيرلي بحثا عن شراء ما حمله اهالي مرزوكة والطاوس لبيعه من جديد.
وبعد الوصول في السابعة صباحا او قبلها بقليل البيرلي الصفراء تتعب من الطريق بدورها لكثرة الحجر والحفر ولا بد ان ترتاح بجانب "لقواس " ليلتف من حولها المتسوقون من جديد ليعودوا أدراجهم في الساعة الواحدة او الثانية زوالا ،وعلى الجميع ان يحضر في الوقت المناسب ويضع سلعه وما تبضعه ليمتلئ سطح البيرلي عن آخره والركوب يكون فوق السلع والسياح أيضا ،ولا شجار ولا عراك ،ولا كلام مخل بالحياء لانهم جميعا تقريبا من فخذ واحد هو ايت خباش .
البيرلي الصفراء والفورد الحمراء كثيرا ما كانت تحمل التلاميذ الداخليين " ليزانطرين او ليزانخرين "الذين يزاوجون بين الدراسة والإرشاد السياحي ،ولا يهم هدر زمن التعلم اذا حل سائح اجنبي من اجل زيارة المنطقة ، بل المهم هو الحصول على مصروف الجيب لتدبير الحياة لأيام .
تضحية "حدى أوركش" أو "حدى اويدير" أو "اومعمر " وغيرهم لا يمكن ان يجحدها إلا جاحد في قساوة تلك الظروف التي عاشها الجيل القديم الذي مازال الكثير منهم حيا شاهدا على ذلك الزمن الهارب، وقبل "البيرلي" بقليل او بتزامن معه كان " لَكْوير" الأبيض كما يسميه فيلالة الذي كان "يوسف اوبيرا" رحمة الله عليه هو من يتولى استخلاص ثمن الركوب دون ان يمنحك تذكرة ،وكان لا يعرف لا هذا ولا ذاك، ولو ان خالتك "خديجة يدير" هي زوجته رحمة الله الواسعة عليها ، فلا يهم وعليك بأداء واجب النقل أما الضيافة ببيته فذاك شيء آخر، ولا يجب الخلط بين ذا وذاك.
الشباب الحالي بعضهم عاش الحدث في تنقله من أجل الدراسة بارفود او الريصاني او في السفر ولا يمكن نسيان الروائح التي زكمت انوفهم وهم الآن منشغلون في عائدات السياحة ولا حديث لهم الا عن الربح ،لان الأموال تدفقت بكثرة ودون عد من بداية التسعينيات الى الآن ولا وقت لهم لقراءة التاريخ من أجل العبر بل الكثير منهم خارج أرض الوطن لزواجهم بأجنبيات ،وقلّ منهم من ينظر للورا ء ليُسائل نفسه ويحاسبها كيف كانت مرزوكة ،وكيف أصبحت من أجل المزيد من إنماء المنطقة ، لقد عانى الناس حقا من التنقل ومن الماء ومن الرمال ومن الرياح ومن العطش ولم تُصنع مرزوكة بالسهولة المعتقدة ،وعلى الجيل السابق ان يزيد في تضحيته بالوقوف مع الجيل اللاحق من أجل اراضي الجموع والتفكير بحق لتسوية النزاعات، وعلى نواب أراضي الجموع ان يسهلوا عملية الاستفادة من الأرض حتى ينتعش الجميع من مرزوكة قبل ان تترامى عليها شركات أجنبية او مستثمرون خارج "ايت خباش" باسم التنمية المستدامة ، فالزمن ممكن ان يعاود نفسه بطرق أخرى ولن يرحم الجاهل لجهله أولتهوره، وزمن التقنين والقانون والحساب والعقاب آت وقريب ويزداد اتساعا يوما بعد يوم وسيضيق الخناق على ابناء المنطقة وعليهم ان يحفّظوا أراضيهم ويحفظوا الدرس جيدا قبل فوات الأوان ،فمستقبل المنطقة رهين بالسياحة وعلى الجميع ان يحافظ على ثقافة ايت خباش وعلى اخلاق ايت خباش وضرورة عقد مصالحة كبيرة بين الشيوخ والشباب والمنعشين انفسهم فالجميع معني بالقضية وعلى الشباب ان يتواصلوا في ما بينهم وينخرطوا في الجمعيات المهنية والتنموية ويؤدوا ما عليهم وما بذمتهم لتزداد مرزوكة مكانة وشهرة وعلوا خدمة لمصالهم.