محسن الأكرمين - جديد انفو / متابعة
 
لم أكن أعتقد أن إسالة دم الأضحية ما هو إلا تنفيس تام عن كرب المواطن المغربي، لم أكن أعتقد أن ممارسة عمليات الذبح والسلخ وإحراق رؤوس الأضاحي، واستعمال الساطور والسكاكين هي من بين مجالات علم النفس الإكلينيكي بالمغرب.
 
مشاهد تتكرر بمرجعية الدين، وأخرى عبر التقاليد والعادات، مشاهد تتأصل من الديني السليم إلى المعتقد الجانبي والممارسات العرفية الفياضة بمظاهر طقوس إسالة دم الكبش الأملح. هم نحن (مجتمع المغرب) عشاق رؤية الدم من طلقة الولادة الأولى، إلى ليلة العرس والدخول على العروسة، إلى ذبيحة أيام الفرح وأوقات الحزن والموت، وحتى في خصاماتنا نتفوه (اليوم يسيل الدم). هم نحن من نبني طقوسا جانحة في مواسم الأضرحة والزوايا و الذبيحة بالحضرة و الجدبة. هم نحن المغاربة الذين فشلنا في إنتاج قيم جديدة بمستوى التحولات الاجتماعية غير السوية بالتراكم. هم نحن المغاربة الذين فشلنا في تحرير العباد والبلاد من طقوس ردفية وملحقة بسنة ذبح الأضحية.
 
قبل العيد بقليل تعم الفوضى العارمة والتي تصيب الأسر وطرقاتنا و أحياءنا التقليدية والعصرية، الفوضى الهادئة والهائجة التي تجعل من أمن المرور يخلي المدارات والطرقات ويكتفي بتواجده المداوم أمام الأسواق. قبل العيد تشتعل الزيادات في مواد العيش احتراقا وفي جيوب المواطنين إنفاقا حتى يصبح المواطن بنكا متنقلا بين محلات العطرية والخضر، و مول الفحم (الفاخر) و مول التبن، ومول شحذ السكاكين والساطور. يصبح المواطن يعاني من الضغط اليومي بالتراكم وقلة حيلة اليد، يصبح قابلا على تعرية ذاته السالبة بالسب والشتيمة ولما إخراج عدة العيد من سكاكين وغيرها قبل استعمالها في مقاصدها الشرعية . قبل العيد تنفذ الخضر والفواكه والتوابل (العطرية) و كأننا مقبلين على حرب مستدامة و كل أسلحة التمويل و التخزين مباحة.
 
يوم العيد الكل ينتشر بالهرولة بعد صلاة العيد حتى و إن لم يصليها، الكل يحمل في قلبه مستويات متنوعة من سيناريوهات (كيفية قتل الكبش الأعزل) ذبح الكبش، مول الجلابة البيضاء الشريف لا يريد أن تتلطخ جلبابه بالدم فيهب الثمن بالمال لمن يقضي على كبشه بالذبح الرحيم. فيما ولد الشعب فيتعامل مع الخروف الصغير مرات برفق و(سيلفي) وصور وفيدو مع العائلة وكأن الخروف الضحية يغرر به قبل الذبح، أو أصبح جزءا من العائلة وواجب التضحية به علانية كما فعل سيدنا إبراهيم ولو باختلاف الزمن والمكان عبر تسويق صورة إسالة الدم في المواقع الاجتماعية. حين يتم (سفك دماء) ذبح أكثر من خمسة ملايين من الأنعام. سيتم استهلاكها بطرق غير صحية، وبمتم آخر (قديدة منها) ولا (كرداسة) ستتوجه غالبيتنا إلى التحاليل والأطباء (رزقهم مضمون من عند الله بعد العيد) ويبدأ الحديث عن الشحمة الثلاثية والكولسترول وارتفاع الضغط والسكر...
 
في اليوم الثاني من العيد وهو من بين المفارقات ذات الحسنات، يتميز المغاربة بالتحول الخير، و يصبحون أكثر لطفا، يتبادلون الابتسامات حتى المنافقة منها، يتبادلون التحيات والقبل الرباعية، تحس أن جني كل مغربي قد ارتوى من الدم ويعيش بأمان. بعد العيد يعم السكون الساكنة يقل الإجرام في تلك الأيام، و تعيش مكاتب الأمن الوطني الكساد من تسجيل شكايات الضرب والجرح. فيما أقسام المستعجلات فيعم فيها استعمال (الدواء الأحمر وهو الوحيد الذي فيه معادلة العدل في الصحة) والغرز الطبية وتضميد الجروح وكدمات حرب الكبش الأملح.
 
في مساء يوم العيد قررت خلوة في ضواحي جهة مكناس الشمالية بجانب الوادي المسكين الضحل، فيما صدمتي كانت مفزعة حين رأيت مياه ذلك الوادي و قد أصبحت تتلون بلون احمرار الدم الآتي من كل أحياء المدينة، حين زاد صبيبه باستهلاك الماء المفرط يوم العيد ودم خرفان وأكباش الأضحية. حينها عدلت عن الجلوس أمامه، وقلت في نفسي لما لا أقوم بجولة في مدينتي فهي شبه خاوية و الناس قد أعياهم الكر و الفر على الذبيحة، والكل جالس في حراسة اللحم وأكل ما لذ من الشواء. هنا لاحظت من بين المظاهر غير السليمة ركام بقايا مخلفات الأضحية المرمية بعشوائية، لاحظت من بين المظاهر التي تحيلنا إلى العصر الحجري أو البدائي أفران نار الشوارع و (تشويط الرؤوس والكرعين). من المضحك حين حضرت بشارع محمد الخامس بحمرية حصة من تشويط رؤوس ساكنة المدينة الجديدة.
 
العجيب في تلك المظاهر أننا نمارس نقذها والتلويح إليها بعدم الرضى و نمارس التعليق عليها في المواقع الاجتماعية علانية ونصفها بأنها مظاهر من تاريخ البدو القديم. لكننا، نزكي عملها من خلال الاتجاه إلى مشوط الرؤوس والاستعانة بخدماته المؤدى عنها بزيادة وأريحية، أو من خلال رمي نفايات بقايا العيد بعشوائية وننتقده بأصابعنا من تحت جلباب سلوكات المغاربة أيام العيد وعمل شركات النظافة. إنه بؤس الازدواجية و السلوك ، إنه بداية هدم ما تم امتلاكه من وجه الحضارة والتحضر و الاستسلام إلى المظاهر غير المهذبة الآتية من التحولات الاجتماعية المفزعة.
 
أصبح العيد في أيامنا هذه وفق مقولة (هذا العيد ما علينا الحكام...)، فالسلطة تتخلى عن ملاحقة الفراشة والبياعة والشناقة خارج الأسواق، فالسلطة تتخلى عن تحرير الملك العمومي مادامت كل أسلحة الدمار الشامل للأكباش معروضة علانية وبالوفرة الزائدة، فالسلطة تستكين إلى الراحة حتى لا تفسد فرحة عيد البياعة وفراشة الفاخر(الفحم) والتبن .... إنها حقا السلطة التي تعرف نفسيات الشعب السلبية والفوضوية وتحولها إلى محفزات إيجابية بحرية بسط اليد على الملك العام بأمان. فيما أمن المرور فينسحب اضطرارا ويترك متابعة (كاسك مول الموتور) ، ومخالفات الوقوف الممنوع والسير في الاتجاه المعاكس، ونقل السواقة في (بيكوب ) ...إنها الفوضى الهادئة التي يحدثها العيد.