محسن الأكرمين - مكناس / جديد انفو

من بين المستملحات التنويمية التي حنطت آمال مدينة وساكنة، حين تم تصنيف مدينة مكناس (1996) من المدن التاريخية العتيقة، تصنيف تم التسويق إليه وكأنه عصا وكالات الأسفار السياحية التي ستفذ إلى مكناس وتنشط حركته التنموية والاقتصادية و السياحية. لكن من 1996 (ماشفنا والو ... تكلموا على الخير... ماشفنا والو... تكلموا على السياحة ما شفنا والو). المصيبة القاتلة حين تم إهمال العناية بالأُثر الفخري لمكناس، حين أصبحت الأسوار الإسماعيلية خطرا مميتا، وتشكل قنبلة ردم ممكن أن تصيب الساكنة في أية لحظة.

الیوم سنركز قولنا حول الذاكرة التاریخیة للمدینة، حول أكبر مخزون تراثي یؤرخ بمداد الفخر على حضارة المملكة العلوية. فھل یجوز لنا القول بأن ذاكرة المدینة محفوظة؟، ھل الأسوار الإسماعیلیة في وضعیة صحیة و تنافسیة سياحية ؟، ھل مكناس تدیر حقا ظھرھا لتراثھا التاریخي (الأسوار)؟، ھل ھناك رؤیة واضحة تھتم بالترمیم و التصويب ؟، هل تسعى مكناس إلى تسويق  معالم الآثار التراثية الباقية للسياح العالم ؟.

لنكن أكثر عدلا ونقرر بأن الدولة لھا المسؤولیة الأولى في حفظ ذاكرة تراثھا التاریخي وھویة البلاد الممثلة في 15 % من الآثار المتمركزة بمكناس، لنكن أوفیاء أمام تاریخ مكناس و نحدد أن المسؤولیة الثانیة تلحق بالمجلس الجماعي بمكناس ومديرية الثقافة والاتصال، ومندوبية الأوقاف الإسلامية وغيرهم.

نعم،  كل الأسوار الإسماعیلیة و الأبراج تستغیث بأدوات الندبة التامة ( وا محمداه... واملكاه)، آثار جدك الأكبر المولى إسماعيل في خطر!!!  التھالك والتهاوي الآيل نحو الاندثار أصبح السمة الكبرى التي تلحق المأثور التاریخي للمدینة، وحتى أن أعمال الصیانة التي تباشر ھنا وھناك طیلة السنة فھي لم تستطع أن تحد من التشققات المتوالیة، و لم تكن ناجعة بالجودة.

ھي أسوار وقصبات وأبراج آیلة للسقوط بمكناس وتدق مرارا ناقوس خطر الوقاية، والخوف التام أن تحصد أرواحا مثل ما حدث في فاجعة صومعة مسجد باب بردعیین. ھي المعالم التاریخیة الخالدة التي تطلب من أهل الحل والعقد بمكناس خلق لجنة استعجالیة للمتابعة والمعاینة والوقوف عن سوء بنيتها و الأخطار التي ممكن أن تشكله . لجنة تضم خبراء آثار وتقنیین تطوف على شمولیة خارطة المآثر التاریخیة، تقف على كل المساوئ التي تلحقھا بالتآكل و التشويه و التدمير الممنهج، توثق كل ملاحظاتھا بالترتیب وأولویات التدخل المستعجل، تكشف بالواضح حالة أسوار باب الرحى، ووضعیة الأسوار المحیطة بحبس قرى ، أسوار أسارك، البرج الآيل للسقوط قرب العویجة، ووضعیة أسوار قصر المنصور، وأخيرا السور الاسماعیلي من الجھة الشرقیة للمربط الوطني لتربية الخيول ، وحتى باب منصور بات يتطلب المراقبة. والبقیة تكمن في جل امتدادات الأسوار والقصبات الإسماعیلیة (أكوراي) .

ھي أجزاء من ذاكرة مجد تراث الماضي أصبحت في الحاضر تشكل خطرا محدقا على الساكنة والسائح الأجنبي على السواء. خطرا  إن لم یتم التدخل العاجل لحمایتھا وترمیمھا بجودة عالیة. ھي مكناس التي ممكن أن تفقد حتى شموخ أسوارھا بالتھاوي المتتالي،  من ھنا نعلن أن مكناس تدیر ظھرھا لمعالمھا التاریخیة ولا تستفید البتة من تنوع منتجوھا الأثري و البیئي، من ھنا نعلن أن المدینة القدیمة بمكناس تجدد جلدھا بالآجور الأحمر و تفقد مرجعیتھا التاریخیة ، من ھنا نقول بأن مكناس تضیع علامتھا الحصریة  كوجھة جذب سیاحیة.

والملاحظة الوجیھة أن طیلة السنة وأنت تشھد بمكناس ترمیم الأسوار الإسماعیلیة بنفس التفكير والمواد البنائیة، وعند أول نقطة ماء من السماء تسقط (تزول) كذلك كل فرشات الماكیاج المتراكمة. ومن عجیب الصدف أن نفس الكرًة تعاد بنفس العجينة والمكونات، ویصبح الاشتغال بالترمیم عملیة تدویر لا تنتھي .

لكن الآفة الكبرى أن مدبري شأن مكناس ألفوا لازمة ( قدي بلي كا ین) فالخوف الخوف أن تسقط كل الأسوار الإسماعيلية على الرؤوس، ولن یعود لمكناس اعتبار تاریخي.  ولكم في خطر السور الموالي للمربط الوطني لتربية الخيول (الطريق الرابطة بين تجزئة الزهوة وحي أكدال) المثال الأوفر، ويشعر بتلميح التشققات مرارا بأنه سيهوي أرضا، فهل ممكن أن تتحرك الأيادي الإستباقية للحفاظ على أمن وسلامة لاعبي الكرة الحديدية،  ودعم تراث المدينة؟.