محمد الدريسي - الرشيدية / جديد أنفو
من خلال تتبع بسيط للحراك المحلي بمدينة الرشيدية خلال سنة 2013، يلاحظ أن سلوك السلطة اتسم بارتفاع في منسوب قرارات المنع اتجاه العديد من الفعاليات الجمعوية والنقابية، لكن المستغرب ليس هو المنع في حد ذاته وإنما شكله وسياقاته ومبرراته، فقد تعود الفاعلون السياسيون والنقابيون والجمعويون على قرارات المنع والتضييق على الأنشطة خصوصا ذات الطابع الاحتجاجي، لكن هذه القرارات كانت عموما تصدر بشكل شفوي وفي ظروف خاصة، وقد عُرف على مسؤولي السلطات المحلية والإقليمية تحرزهم من إصدار قرارات منع كتابية إلا في حالات استثنائية؛ أما وأنت تكتسب السلطة جرأة زائدة بإصدار قرارات كتابية وبمبررات واهية وغير مقبولة عقلا وواقعا وفي ظل دستور 2011 الذي يرسخ الحريات، فهذا هو وجه الاستغراب.
ولكي أكون أكثر دقة في تحليلي، سأدلل عليه ببعض الوقائع خلال هذه السنة للمثال لا للحصر:
ـ فقد تعرضت وقفة احتجاجية تطالب بفتح دار الطالب وتفعيل أدوارها أمام مقرها منظمة من طرف فعاليات جمعوية لقرار منع كتابي بمبرر ” ضمان حرية السير والجولان”.
ـ وتعرضت أمسية قرآنية خلال شهر رمضان منظمة من طرف ودادية للمنع بمبرر “ضرورة الحصول على ترخيص من مندوبية الأوقاف”.
ـ وتعرضت وقفة احتجاجية للنقابات التعليمية لقرار منع كتابي بمبرر” الحفاظ على النظام والأمن العام”.
ـ وتعرضت فعاليات احتجاجية من طرف فيدرالية الوداديات السكنية لقرار منع كتابي بمبرر “ضمان حرية الولوج للإدارة و ضمان حرية السير و الجولان و كذا الحفاظ على الأمن و النظام العام”.
ـ وتعرضت مسيرة شعبية من تنظيم النقابات التعليمية لقرار منع كتابية بمبرر ” الحفاظ على السير والجولان والنظام العام”…..
إذن يبدو أن مبرر ” الحفاظ على السير والجولان والنظام العام” أصبح مشجبا يعلق عليه قرار المنع وأن هذه العبارة مكتوبة مسبقا في نموذج هذا القرار، وهو مبرر واه يعبر عن استخفاف السلطة المحلية بعقول المواطنين، لأن مثل هذه الأشكال الاحتجاجية ثبت واقعا بأنها لا تؤثر لا على السير والجولان ولا على النظام العام ولا هم يحزنون، بل إن بعض السلوكات الاحتجاجية التي تعطل حقيقة المصالح والخدمات العمومية تصرفت معها السلطة المحلية بتساهل كبير، رغم أنها تتم دون سند قانوني وذلك من مثل: عرقلة استغلال البقعة المسترجعة بتاركة الجديدة؛ وتوقيف آليات النظافة لمدة ثلاثة أيام بالمرآب البلدي؛ وعرقلة تنظيم السير والجولان بشارع مدغرة؛ وعرقلة انطلاق أشغال بناء المركز التجاري أسيما؛ وعرقلة بناء سوق أزمور.
أما مبرر ” الحصول على ترخيص مندوبية الأوقاف”، فيثير تساؤلات حول مرجعيته القانونية، لأن المسؤول عن الترخيص للأنشطة في الأماكن العمومية هي السلطة المحلية وليس المصالح الخارجية للوزارات، فهل ستطلب السلطة المحلية مثلا، ترخيصا من مندوبية الثقافة عن كل نشاط ثقافي أو فني بالمدينة؟؟ وهل ستطلب ترخيصا من مندوبية الصحة عن كل نشاط للتوعية الصحية؟؟ وقس على ذلك…
إن مثل هذه القرارات تؤشر على تناقضات في التعاطي مع الحريات العامة، تناقضات بين التساهل مع البلطجة والفوضى والميوعة من جهة، والصرامة الزائدة مع الهيئات المسؤولة والفعاليات الهادفة من جهة أخرى؛
فما هي أسباب هذه التناقضات وما هي الرسائل التي قد تفهم من ورائها ؟؟؟
يمكن أن تفهم هذه الرسائل في سياقها العام، على أنها تدخل ضمن الارتدادات التي يعرفها المغرب ودول الربيع الديمقراطي بعد مرور موجة كان لابد من الانحناء لها.
لكن على المستوى المحلي، يفسر البعض هذه التناقضات بحماية السلطة لأطراف معينة تتهم بالفساد؛ خصوصا وأن جل الاحتجاجات التي تم التساهل معها تتعلق بمهزومين ديمقراطيا احترفوا البلطجة لعرقلة مسيرة الإصلاح؛ كما أن أغلب الفعاليات التي طالتها قرارات المنع ترتبط بقطاعات عمومية أثار تدبيرها إقليميا جدلا كبيرا؛ بل و يذهب هذا التفسير إلى أن الأمر ليس اجتهادا من السلطة المحلية والإقليمية وإنما يتعلق بتدخل جهات نافذة في تلك القطاعات ربما كانت وراء تعيين المسؤولين عنها قبل طي سجل الريع في المناصب العليا.
إذا كان هذا التحليل الأخير صحيحا، فإن ذلك يؤشر على تطور سلبي في علاقة السلطة بتدبير الشأن العام واستحقاقاته، ذلك أنه ينتظر من السلطة أن تكون دعامة أساسية في إصلاح الإدارة وإرساء الحكامة الجيدة، بدل أن تكون أداة لحماية المفسدين وإطالة زمن جلوسهم على كراسي لم ينالوها لا بكفاءة ولا باستحقاق.
إن زمن الإصلاح السياسي والديمقراطي لا يسمح بمزيد من التأخر في ترسيخ مناخ الحريات ومحاربة الفساد والريع بجميع أشكاله، وهو ما يتطلب من مسؤولي السلطة مزيدا من الاستيعاب لمضامين الدستور الجديد ومقوماته وأشكال الانخراط الإيجابي في تنزيله.
في الصورة محاصرة وقفة إحتجاجية للودايات والجمعيات السكنية بساحة الحسن الثاني بالرشيدية.