زايد جرو - الرشيدية / جديد انفو

تعيش معظم ساكنة الجنوب الشرقي في السنة الواحدة هجرتين:  الأولى نحو الشمال لاكتساب معيشة أنقى، في ظل توالي التهميش وتوالي شح الأمطار، وتتابع السنوات العجاف ، وغياب مشاريع تنموية حقيقية  حيث لا  خيار لهم  في مواجهة  وضع التيه، غير خلق مواجهة صريحة  مع الواقع  لإعادة النظر في كل مكونات المحيط من ثقافة وسياسة واقتصاد وقيم، وهي هجرة ناتجة عن ردود أفعال في مجتمعات هي عب للنكبات الكبرى التي لا تنتهي واحدة حتى تحل  محلها الأخرى، ولا خيار للعباد  قي ظل  هذا الوضع  الاقتصادي الهش غير الاغتراب، رغم معاناتهم  في فوارات  القيظ التي لا يغسلها لا النسيم ولا البرد ولا الرياح ولا ترطبها أفياء الشجر  في مدن  تقتل الناس فيها الرتابة تحت الضجيج   ويموت فيها المرء ولا يعرفه  أحد  ولا يبكي عليه أحد .

الهجرة الثانية الكبرى حين يحل العيد الكبير ويحل معه الفرح و الفرج، وكل المهاجرين يستعدون  للعوددة نحو العش ونحو الدفء والرقة، ويهربون من عذاب الصمت والأنين رغبة في سكينة النفس ولو لحين بالعودة لكل الأشياء الجميلة في بنايات  طينية عتيقة أصيلة ظلت شامخة رغم مرور الأحقاب، تركت الناظر والمُشاهد يحلم بماض انتهى ولم ينته، ولم تستطع الحداثة أن تمحوها، أو تمحو وقعها، لأنها حفرت لنفسها أخدودا في المخيلة الجماعية، حيث خرجت من الإطار الجغرافي المعهود إلى الإطار المخيلي الذي لا يستطيع أحد أن يتدخل فيه لمسح أو مسخ معالمه.

  فالهجرة نحو عيد الجنوب عادة متأصلة حيث الناس لا تزال تعيش نشوة العيد، وهي تصافح الوجوه التي حجت إلى المصلى صباحا، ليجتمع القادمون والرابضون جميعا حول  حكايات تتخذ عادة ساحة باب "إغرم "أو السقيفة فضاء مكانيا لها، فيشْعر المغتربون بهزات عنيفة ترعبهم وتخيفهم لأنهم هجروا مكانهم وعوضوه بآخر، واستمرت إشكالاتهم في لغة جديدة متنوعة. فالهجرة نحو المغرب العميق في العيد  "الكبير  "  هي عودة للأصل وعودة  لأجل أب لوى الزمان يده على العصا  أو من أجل أم عجوز اختار المرض جسدها وأذبل البكاء جفنها  انتظارا وترقبا لفلذة كبد رحل  وغاب وتغيب طويلا أو من أجل رحم ينتظر الإحياء .