محسن الأكرمين - جديد انفو / متابعة
 
صدفة جمعتني بصديق لي قبالة مقهى تبيع حلويات (البوناني) بحمرية، لحظة وبدون استئذان اكتسحت حديثنا امرأة في عقدها الثالث وهي تجر وراءها أبناء لها في عمر التمدرس، اكتسحت حديثنا بلغة خطاب متمرس وحديث في مهنة التسول قالت: (عاونوني نفرح هاذ الوليدات بالبوناني، راه باغيين يحتفلوا بحلوة مكتوب عليها سنة سعيدة 2020).
 
بعد أن انصرفت المرأة دون أن تلقى منا جوابا ولا عطفا ماديا، فكر صديقي قليلا وقال: هذه هي مطالب العدالة الاجتماعية الأفقية !!!، هذه هي تكافؤ الفرص حتى في امتلاك الفرح الزائف وحلوة (البوناني) المرقطة، هذه هي إستراتيجية مدرسة مهنة التسول وتفعيل الكفاءة الاستعطافية لنيل حسنات الناس بتجديد الخطاب وجودة المطالب.
 
حين فكرت في كلامه وجدته أنه على حق، لكني استدركت القول بنصف دائرة التحول، وما كان سيكون دعاء المرأة إن أعطيناها دراهم معدودات؟، هل ستدعو لنا باسم سيدنا عيسى؟، هل ستدعو لنا بلغة موليير؟. ابتسم صديقي المكناسي من الاستفزاز المبالغ فيه وقال : وما حاجتها أصلا من الاحتفال وهي لا تجد حتى قوت يومها الأساسي وتحرم أطفالها من المدرسة وتغرس فيهم موت أنفة النفس ومد اليد و أكل (مال الصدقة بحلوة ليلة البوناني).
 
حينها توقفنا بالحديث، كم أصبحت مطالبنا تتقلص من مطالب الكرامة والعدل نحو صناعة فرحة حلوى ونشاط مزيف بموعد قدوم (سنة 2020 وليلة البوناني) حتى ولو بالتسول المقيت والحط من الكرامة الإنسانية. لحظة تراءت إلى مسامعي لازمة (شعب المغرب فيق من النعاس) بمعرفة الحقوق والمطالبة بالعدل والكرامة والحرية... لحظتها تغيرت رؤيتي من أغنية سعيد المغربي ووجدت أن شعب المغرب يبيت ليلة رأس السنة ( البونانية) بدون نوم (فايق من النعاس وهو ثمل)، لحظتها أحسست أن مطالبنا باتت تغيب الصحة للجميع، وتغيب السكن الكريم ، وتغيب التعليم الجيد، وتغيب معادلة الإنصاف في توزيع الثروة والشغل. أصبحت أخيرا مطالب الشعب ذي الهشاشة جد رديئة حلوة (البوناني) أو حضور دعوة مهرجان (الطبل و الغيطة).
 
لن أكون من صنف الذين لا يؤمنون بالاختلاف والتنوع والرأي المضاد، لكني سأكون من شق تلك المرأة التي طلبت توفير حلوى(البوناني) لتفرح الأبناء ليلة رأس السنة. فحين نوفر لها حلوة (البوناني) تحس أنها تساوت مع البورجوازية المتنطعة في ممارسة فعل تقطيع قطعة حلوى رأس السنة حتى وإن كانت رخيصة الثمن. حينها نحصل على أن مكون الفرحة بات بمدينة مكناس يأتي من اللهو واللعب والسهر، وليس من العمل الجاد و استثمار الفكر والقيم السليمة.