محمد عسناوي - احصيا / جديد أنفو
في أطراف إقليم تنغير الفتي بالجنوب الشرقي المغربي، تقبع بلاد احصيا المترامية الأطراف وسط السهوب العليا الجنوبية على حوض " المعيدر " التي تتوسطها اودية جافة وموسمية، قروية بامتياز، تأسست على ترابها جماعة تحمل نفس الاسم منذ سنة 1992 على مساحة تقرب 1382كلم مربع ، يناهز سكانها المتبقون حوالي 12000 نسمة، بعد الهجرات التي تعرفها باستمرار سواء الى الداخل او الى الخارج، وذلك نظرا للظروف القاهرة .فهي منطقة تعاني من كل الجوانب وفي جميع القطاعات من مشاكل وعراقيل تمنع تنميتها وتقدمها ، فكونها بعيدة عن المغرب النافع جعلها بعيدة عن كل شيء ، حتى طقسها ومناخها وتربتها نحت نفس المنحى : على المستوى الإداري والرسمي لن تجد هناك الا مدراس مهترئة و بناية كتب عليها مستوصف احصيا ، قلما ترى بابه مفتوحا ، وأكاد أجزم أنه مؤخرا لا يقصده أحد، فهو كما يقال سيطر عليه طبيب غريب الاطوار لا يقدر أحد على الاقتراب منه ، وبجانبه بناية جماعة احصيا القروية التي لا حول لها ولا قوة أمام جسامة تحدياتها ، وضعف كفاءة رؤساءها المتوالين عليها . أما ظروف الطبيعة فتكاد تزيد على ما سلف ذكره قساوة، الجفاف سيد الموقف، التصحر و زحف الرمال يزمجر صيفا وشتاء، تماما كما طبيب المستوصف او اكثر منه ، مياه الشرب معدودة ، تقسم على الدواوير تقسيم الدقيق المدعوم ، في الصيف تحمل على صهاريج الشاحنات الى الناس ليسقون كما تسقى شجيرات المنابت ، وضع مرير يأبى أمامه السكان من الملل و الانهزام ، متمسكون بأرض جاذبيتها قوية تحكي قصص الأجداد وملاحمهم ضد الاستعمار الفرنسي وضد العزلة والتهميش وقساوة العيش ، تاريخهم ضل تاريخ المعاناة من ندرة المياه من جهة، وغياب الدولة في شقها التنموي من جهة أخرى ، فهكذا عاشت وتعيش احصيا ، فأصبح يتخيل الي ان كلمة احصيا مرادف الخلاء المقفر الجاف الذي تنعدم فيه الحياة .
بالرغم من ذلك فهي جماعة إذا أعددت مؤهلاتها البشرية والطبيعية بالخصوص فهي ذات أهمية لا يستهان بها لو تم استثمارها على احسن وجه، فالمنطقة تتخللها واحات وكثبان رملية وقصور تاريخية تعتبر مجالا خصبا للسياحة الصحراوية وهي ممر أساسي يقع بين ثلاثة أقطاب سياحية بارزة هي زاكورة وتنغير وتافيلالت ، كما تضم ثروة نباتية مهمة تتمثل في أشجار الطلح... التي تستحق كذلك أكثر من عناية واهتمام حماية من الانقراض ، أما الفلاحة والزراعة فبعدما كانت في الماضي البعيد تشكل المورد المعيشي الوحيد صارت الان شبه منعدمة بسبب الجفاف المزمن الذي طال الحرث والعباد ، رغم أن المنطقة أرض ملائمة لانتشار نباتات واشجار ذات قيمة طبية وغذائية مثل الحناء و الكمون والنخيل ... ولكن يبقى الامل الوحيد في بناء السدود لإعادة الروح والحياة لهذه المنطقة. دون أن ننسى الثروة المعدنية والمستحثات الجيولوجية ، ففي الآونة الأخيرة تم اكتشاف مناجم ومواقع معدنية تبرز غنى المنطقة من حيث ثرواتها المعدنية التي تستحق الاهتمام اكثر من طرف الدولة لخلق اندماج بين الساكنة ومحيطها الذي يضمن لها عيشها الكريم ، وتفتخر بالانتساب إليه، وهذا لن يتأتى إلا بضمان الاستفادة من هذه الثروات عبر خلق مناصب للشغل .
كل هذه المؤهلات والامكانيات تشكل قوة ودعامة أساسية تحتاج الى من يترجمها الى مشاريع شاملة في مختلف القطاعات الإنتاجية من شأنها خلق تنمية محلية تستوعب كل المشاكل والصعوبات التي تتخبط فيها احصيا منذ زمان ، وهذا بطبيعة الحال يحتاج الى إرادة سياسية قوية و طاقم من المسؤولين ذوي الخبرة والكفاءة بعيدا عن الحسابات الانتخابوية و العصبية القبلية الضيقة .
