أحمد بيضي * - بني ملال / جديد أنفو
خرج المشاركون في ورشات "قافلة التوحد" التي حلت ببني ملال، يوم الخميس 12 يونيو 2014، بتوصيات هامة، شددوا فيها على ضرورة "وضع سياسة عمومية وجهوية حول التوحد بمشاركة مختلف الفاعلين في المجال"، إلى جانب صياغة "نصوص قانونية تمكن الأشخاص التوحديين من نيل حقوقهم الإنسانية"، و"إحداث نواة جهوية خاصة بالتشخيص المبكر"، والعمل على "تصحيح التمثلات المجتمعية والصور النمطية حول التوحد"، ثم "وضع خريطة جهوية خاصة بالتوحد" وإعداد دليل وطني وقانون خاص بإعاقة التوحد.
المشاركون في قافلة التوحد التي استقبلتها اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان، بجهة بني ملال- خريبكة- خنيفرة، دعوا إلى "إحداث مركز جهوي للمعلومات والتوجيه" في أفق "خلق مرصد جهوي خاص بالإعاقة، التوحد بصفة خاصة، تحت إشراف المجلس الوطني لحقوق الإنسان"، مع "إعداد تقرير سنوي حول الإعاقة"، و"تحسيس أصحاب القرار ومختلف الفاعلين المحليين بأهمية تمكين الأشخاص التوحديين من الولوج لحقوقهم الإنسانية"، كما دعوا بالتالي إلى "تمكين الأطفال التوحديين من الولوج إلى الحقوق الأساسية"، و"تمكينهم من مجانية التعليم"، والعمل على إعداد برامج تربوية موحدة وبيداغوجية لفائدتهم تتلاءم والخصوصيات المحلية.
وفي ذات السياق طالب المشاركون في توصياتهم ب "تنظيم حملات تحسيسية جهوية للتعريف بحالة التوحد وضرورة إجراء التحاليل قبل الزواج"، مع الاستمرار في "تنظيم دورات تكوينية لفائدة الأباء والأمهات، الأطر التربوية والمربيات، ولفائدة الأطباء والأطر الشبه الطبية"، مع إمكانية "إحداث معاهد مختصة بتكوين المربيات" والسهر أكثر على "تعميم دوريات ومذكرات قصد تسهيل مأمورية الجمعيات المهتمة"، إلى جانب تطبيق عملية "تشبيك جمعيات المجتمع المدني ذات الاهتمام المشترك"، ولم يفت ذات المشاركين الدعوة إلى "إشراك المثقفين والإعلاميين والفنانين والرياضيين في الحملات التحسيسية"، علاوة على ضرورة التدخل لتفعيل لجنة المساواة وتكافؤ الفرص بالميثاق الجماعي.
وبينما التقت توصيات ورشة الفاعلين المحليين مع توصيات ورشة الشباب في عدة نقاط، فإن هذه الأخيرة تميزت بدعوة الجهات المسؤولة ومراكز القرار إلى "دعم أسر التوحديين ماديا ومعنويا لأجل إعانتهم على تكاليف التنشئة والعلاج"، مع ضرورة "إعداد إحصاء عام وتجميع المعطيات حول ظاهرة التوحد"، ودعوة الأسر ل "الانخراط في عملية الإحصاء العام والتصريح بحالات الإعاقة لديهم"، في حين أضافت ورشة مع الأسر دعوتها إلى "تشجيع البحث العلمي في مجال إعاقة التوحد"، والعمل على "إدراجها ضمن لائحة الأمراض المزمنة"، والسهر على "خلق لجن جهوية للتتبع والمواكبة"، إضافة إلى "تقوية قدرات الجمعيات في المجال القانوني والحقوقي والتدبيري"، كما لم يفت المشاركين في ذات الورشة المطالبة بإنشاء فضاءات للتكوين المهني تراعي خصوصيات ذوي التوحد.
وصلة بأشغال الورشات، سجل المشاركون العديد من النقاط المهمة التي منها أساسا انعدام الآليات الخاصة بتشخيص التوحد بالمستشفيات المغربية، وصعوبة الاشتغال على الموضوع في غياب إحصائيات دقيقة، ومدى استحضار العالم القروي في الحديث العام عن هذه الظاهرة السلوكية؟، وما موقع برلمان الطفل والمرصد الوطني لحقوق الطفل من هذا الموضوع؟، وكيف يمكن مواصلة التعبئة من أجل صياغة سياسات عمومية حول إعاقة التوحد؟، وما السبيل للضغط على الفاعلين الحكوميين وغير الحكوميين لغاية اعتبار التوحد قضية وطنية؟، بينما سجل عن بعض الأطباء والجمعويين اعترافهم بالتأخر في فهم معنى التوحد إلى حدود الأشهر الأخيرة، وآخرون تأسفوا لعدم تواصل الفاعلين مع عموم المواطنين والأسر، وللتصورات النمطية التي ما تزال تقف وراء الإقصاء والتمييز حيال التوحديين.
من جهة أخرى، عرضت ورشة الشباب الشريط السينمائي BEN X الذي يتناول حكاية شاب توحدي يعاني عدة مشاكل مع محيطه المدرسي، كالإقصاء والتمييز والاستهزاء والتعنيف إلى حد إقدام بعض زملائه بالصف إلى تجريده من سرواله من باب إهانته وهو عاجز عن مواجهتهم بسبب توحده، ومن شدة معاناته النفسية انتابته وساوس سوداء ارتقت به إلى نحو التفكير في الانتحار لولا إحدى زميلاته التي لم تفلح في ثنيه عن تنفيذ الفكرة، وكانت الوحيدة التي تفهمت حالته وحاجته من خلال إدراكها لكونه لا يختلف عن الباقين في أي شيء، فهو يحب بصدق ويتقن ألعاب الفيديو، إلا أنها لم تكن تترقب أن يرمي بنفسه في البحر من على سفينة كان على متنها هو وهي وأبويه، قبل أن تظهر روحه بإحدى الكنائس أثناء تأبين جثمانه، حيث تم استعراض حياته ومعاناته، ما جعل الجميع يشعر بالذنب والألم، وذلك في رسالة واضحة للمجتمع للتأكيد على أن التوحدي كامل الإنسية والآدمية والكرامة، ولا ينقصه إلا الحب والتفهم، رغم اختلافه مثل الآخرين.
ونظرا لاستحضار دور الكنسية في الشريط لم يفت المشاركين في ورشة الشباب الإصرار على انخراط المؤسسات الدينية بالمغرب، كالمجلس العلمي ومندوبيات الشؤون الإسلامية ومنابر الخطب في حملات التحسيس بالتوحد والتوحديين، وتوعية الأمهات والآباء بعدم اللجوء للزوايا والأضرحة والخرافات عوض الجهات الطبية، كما لم يفت المشاركين في ذات الورشة الدعوة إلى تعميم الشريط المذكور على المدارس بغاية إشراك الناشئة والمدرسة في الموضوع، وهو الشريط الذي تفاعل معه الحاضرون في ورشة الشباب بإثارته لمجموعة من الآراء والتساؤلات حول التوحد، وقدمت خلالها ذ. سمية العمراني جملة من التوضيحات والاتفاقيات الدولية المتعلقة بهذا الاضطراب النفسي، مؤكدة أن هذه الحالة لم تعد تحتاج للأدوية الكيماوية ذات التأثير السلبي بقدر ما تحتاج للمعالجة السلوكية والمقاربة التربوية والإدماجية.
القافلة لدى وصولها لجهة بني ملال خريبكة، شهدت حضورا مكثفا للشباب والأسر والمربيات والفاعلين الجمعويين والإعلاميين والحقوقيين والعاملين في حقلي التعليم والطب، حيث افتتحت أشغال هذه المحطة بأرضية توجيهية للأستاذ علال البصراوي، رئيس اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان، ركز فيها على سياق هذه القافلة على مستوى الجهة المذكورة التي تعاني من هشاشة مطلقة تنعكس سلبا على الفئات المعاقة، ومنها حالة التوحد، مبرزا أهمية المحطة في التشاور مع كافة المتدخلين والفاعلين المحليين لأجل بلورة تصورات وبرامج تضمن للتوحديين المشاركة والحقوق والإدماج المجتمعي، وتساهم في الترتيب للبرنامج الوطني للتوحد.
ممثلة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، ذ. سمية العمراني، استعرضت بدورها تعريفا شاملا بالتوحد من منظور المنظمة العالمي للصحة، وكيف أضحت هذه الظاهرة السلوكية جزء لا يتجزأ من انشغالات الفاعلين في مجال حقوق الإنسان، بينما لم يفتها عرض بعض البنود والالتزامات والاتفاقيات الدولية والتوصيات الأممية المتعلقة بالإعاقة شددت على ضرورة الوعي بأن التوحد ليس إعاقة ولا مرضا بقدر ما هو مجرد اضطراب سلوكي، فيما جددت دعوتها إلى توسيع النظر إلى الموضوع بعين المقاربة الشمولية عوض المقاربة الاحسانية، مبرزة الإجراءات المتخذة من جانب المجلس الوطني لحقوق الإنسان.
ذلك قبل مداخلة للمندوب الإقليمي لوزارة الصحة ببني ملال الذي عبر عن أسفه إزاء عدم الإلمام الكافي بحالة التوحد التي لم يكن يعرف عنها أي شيء إلا بعد حضوره المكثف بالدورات التكوينية وعروض المناقشة، كما اختصر ممثل تحالف الجمعيات كلمته في التعبير عن أمله في خروج الورشات بتوصيات عملية.
جاء ذلك في اليوم التواصلي مع الفاعلين المحليين والشباب والأسر والجمعيات، في إطار القافلة المنظمة من طرف اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان، جهة بني ملال خريبكة خنيفرة، بهدف الخروج بما يمكن من مقترحات عمل تراعي الخصوصيات الجهوية والمحلية في أفق صياغة برنامج ترافعي وطني مندمج للنهوض بأوضاع فئة التوحديين ودعم أسرهم، وهي القافلة التي تندرج في سياق الحملة التواصلية الوطنية حول التوحد، تحت شعار "أنا مختلف مثلك"، التي أطلقها المجلس الوطني لحقوق الإنسان، في الفاتح من أبريل الماضي، بشراكة مع تحالف الجمعيات العاملة في مجال إعاقة التوحد بالمغرب، وبتعاون مع منظمة جايسي، الغرفة الفتية الدولية بالرباط، التحالف من أجل النهوض بحقوق الأشخاص في وضعية إعاقة بالمغرب، الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة ومنظمة اليونيسيف والمكتب الشريف للفوسفاط.
* عضو باللجنة الجهوية لحقوق الإنسان


