تحقيق من إعداد : يونس الشيخ

امحاميد الغزلان.. هل كاد الفقر أن يكون كُفرا؟

على بعد أربع وثمانين كيلومترا من مدينة زاكورة بالجنوب الشرقي للمغرب تقع امحاميد الغزلان التي يتجاوز عدد سكانها 7764 نسمة، ست جماعات من بين عشرين جماعة الأكثر فقرا بالمغرب، يعتمدون في معيشتهم على تربية الإبل والسياحة الصحراوية والقليل من الزراعات، عدد كبير منهم هم شباب حاصلون على شهادات.

وفي غياب مبادرات رسمية للتشغيل تستوعبهم حاولوا مواجهة البطالة والفقر المدقع والجمود الاقتصادي لتحسين أوضاعهم الاجتماعية بإقامة مشاريع سياحية، عبر إحداث إقامات سياحية، أو بنصب خيام سياحية بالصحاري الممتدة، واستقبال وفود السياح الذين لا يخضع أغلبهم لقوانين الدولة المضيفة ولقواعد السياحة الوطنية المغربية.

فيما فئة أخرى من أبناء امحاميد الغزلان التي كانت نواة أولى لجيش التحرير بالجنوب الشرقي، اختارت طريقة مخالفة للتعبير عن الاحتجاج على الأوضاع المزرية، سلوكات تطعن الوطن والوطنيين وتخلق فرصا ثمينة للعدو لتقوية خطابه القديم عبر استغلال زيغ بعض الأفراد وطيشهم أحيانا.

إما مواطنا أو خائنا:

يرى المتتبعون للشأن المحلي والأكاديميون المهتمون أن هذه القضية بشكلها الحالي، لا يمكن حلها بضغطة زر أو بمقاربة تعتمد العنف أو الحلول المرحلية التي أثبتت فشلها، وإنما باتباع سياسة تضع الأمور في سياقها العام وتأخذ بعين الاعتبار كل المعطيات والأسباب، وتحاول معانقة هموم الناس وخلق متنفسات لهم وإشراكهم في حوارات جريئة وفي كل مبادرات تنموية تحترم خصوصيات المنطقة وتخلق اقتصادا كفيلا بانتشال امحاميد الغزلان من ركودها الحالي، مع التركيز على الجانب المتعلق بالروح الوطنية بدل إغلاق قنوات التواصل والتعنت من طرف السلطات، والمساومات وسياسة “شْدْني وْلاّ نْطِيح” التي ينهجها أفراد يُعدون على الأصابع في واقع الأمر، يرددون شعارات أعداء الوحدة الترابية في منطقة لا تدخل ضمن مناطق النزاع المفتعل، بهدف الاستفزاز وإثارة الانتباه دون مراعاة لمشاعر المغاربة.

سلوكات يستغلها إعلام العدو لإشعال الفتنة

وكانت وسائل إعلام ما يسمى بالبوليساريو لعبت على هذا الوتر غير ما مرة، خلال أحداث جرت بالبلدة، تميزت بالكتابة على الجدران داخل وخارج مؤسسة تعليمية ورسم علم الجمهورية الوهمية ورفعه في بعض المناسبات والأعراس، بالإضافة إلى احتفال بعض الفئات الحاملة لأفكار الانفصال بأعياد البوليساريو، وتمرير خطابات محتشمة وأخرى صادمة خلال بعض الاحتجاجات الاجتماعية التي تعرفها المنطقة بين الفينة والأخرى، فيضخم إعلام أعداء الوحدة الترابية ما يقع، ويقدمه بشكل بشع يثير الاشمئزاز، ويولد لدى الكثيرين الحقد والكراهية للمغرب، ويشحن شباب يواجهون ضعفا في التأطير السياسي وفراغا قاتلا بصحاري الجنوب الشرقي، ما يشجع البعض على التعاطي مع الجريمة والتهريب وكل ما قد يخطر على البال مع أسوأ الاحتمالات، ما يستدعي التعاطي بكل حزم وجدية مع ملف يعتبر ثلة من المتتبعين أنه في حاجة إلى حل قبل فوات الأوان.

طابوهات تسير نحو الانفجار

يقول بعض شباب بلدة امحاميد الغزلان التي تحيط بها الكثير من الدواوير المحاطة بالكثبان الرملية وبعض أشجار النخيل التي قاومت الجفاف وقساوة المناخ، إن هذه المنطقة تعاني طوقا إعلاميا نظرا للبعد من جهة، وأسباب أخرى يتداولها العامة من جهة أخرى، ما يجعل امحاميد الغزلان، الضاربة في عمق تاريخ البلاد والمساهمة في حروبها القاسية ضد الاستعمار والأطماع، تتحول إلى وسيلة سهلة تتبنى قضاياها جهات خارجية وتستغلها لأغراض خبيثة وسياسوية ضيقة أمام غياب الجمعيات والأحزاب وعدم قيامها بدورها الحقيقي في التأطير والتربية على الوطنية وحقوق الإنسان الحقة واحترام مشاعر باقي المواطنين الذين ما فتؤوا يتصدون لهذه الإستفزازات، من خلال عزل المتبنين للإنفصال بشكل سري أو صامت، كما يسميه المحليون، عبر مسيرة حاشدة مؤخرا دعت إليها خمس جمعيات محلية وشارك فيها حوالي ألف وخمسمائة من ساكنة مختلف القبائل اولاد يحيى، قبيلة اعريب، اولاد ادريس، الطلحا، بونو، وقبائل أولاد ادريس والركابي وآخرون.

محاميد الغزلان.. صورة أخرى على الانترنت

ماذا يمكن أن يقول سائح عربي إذا حاول البحث في محركات البحث عن بلدة سياحية جميلة فوجد أن جل المواقع الإلكترونية التي تتصدر هذه المحركات تقدم امحاميد الغزلان على أنها موقع “التوتر” و”الاحتجاجات” و”القمع” وما إلى ذلك من المصطلحات والعناوين الخطيرة والجارحة؟

هذا هو السؤال الذي يجب أن يطرح اليوم أكثر من أي وقت مضى، وهذا هو الملف الذي يجب أن تعالجه السلطات المحلية والوطنية، خصوصا في عالم بدأت تسيطر عليه التكنولوجيا وتتحكم في العديد من جوانب حياة الناس فيه، ولا يمكن لأي كان في الوقت الحالي على الأقل أن ينفي أن جهات ما تقف وراء هجمة شرسة يرجح أن تكون منظمة ضد امحاميد الغزلان وضد مصالح المغرب وبالتالي المغاربة.

مواقع إلكترونية بتقنيات لا يستهان بها توجه سهامها الغادرة للمسؤولين في بعض الأحيان، وإلى الدولة المغربية أحيانا أخرى بتقديمها في صورة وحش يأكل أبناءه مع كل ما قد تقوم به الجهات المعنية من إجراءات بهدف تخفيف الضرر، وهو أخطر ما تواجهه بلادنا في هذه المرحلة الحساسة من التاريخ.

من باب روح المسؤولية والموضوعية في الأشياء القول بأن امحاميد الغزلان من المناطق التي تعاني الفقر وتعرف البطالة والركود الاقتصادي وصعوبة الحياة وأشياء أخرى ربما تُسيل مداد الكثير من الأقلام، إلا أن الطريقة التي تقدم بها هذه المنطقة على الإنترنت باللغة العربية على الخصوص وبعض الصفحات بلغات أجنبية منها الإسبانية وأخرى بالفرنسية يختلط فيها السياحي والاقتصادي، بلغة الألم والحزن والبكاء الرمزي من جهة، ومداد السم والكراهية وما تصفه بعض المواقع بأوصاف لا تطاق، لا تليق ولا تصور الحقيقة، فالوطنية في إقليم زاكورة فطرة كما قال أحد الفاعلين السياسيين.

***************************************

 حوار مع الدكتور عبد الرحيم بوعيدة، الأستاذ بكلية الحقوق بمراكش

أكد الدكتور عبد الرحيم بوعيدة الأستاذ بكلية الحقوق بمراكش أن خطاب الانفصال أصبح يُغري الجميع في كل ربوع الصحراء، لأن المغرب تعامل مع الخطاب الانفصالي وفق إستراتجية إغراء أعلت من قيمة هذا الخطاب ومن مكانة متبنيه، مضيفا أن المسألة تتعلق أساسا بغياب شروط التكافؤ بين مناطق المغرب، معتبرا أن هذا الأمر سيفتح مستقبلا جبهات أخرى إذا لم تتم معالجة الأزمة في عمقها الاجتماعي والاقتصادي.

- هل تعتقدون أن محاميد الغزلان و مناطق أخرى من إقليم زاكورة يمكن أن تدخل ضمن المناطق التي تثير اهتمام البوليساريو و الجزائر مستقبلا؟ نظرا لما تعرفه بين الفينة والأخرى من سلوكات معادية للوحدة الترابية

هذه السلوكات التي ظهرت أخيرا في محاميد الغزلان و زاكورة و طاطا يجب وضعها في سياقها العام وليس فقط،قراءتها من زاوية سياسية باعتبار أن هذه المناطق لا تنتمي جغرافيا إلى المجال المتنازع عليه والمسمى بالصحراء الغربية، والسؤال الذي يطرح بحدة في هذا المقام هو وضعية هذه الأقاليم نفسها من الناحية الإجتماعية والإقتصادية، جغرافيا هي مناطق لها حدود مع الجزائر وهي خزان مهم للعديد من الطاقات الفكرية المهمشة، وتاريخيا العديد من المنظمات اليسارية الفاعلة خرجت من رحم هذه المناطق المنسية وآخرها أصغر معتقلة سياسية خرجت مؤخرا من المعتقل في إطار الفصيل الطلابي القاعدي.

إذن المسألة قبل قراءتها سياسيا يجب الإعتراف أن هناك مغربين، مغرب نافع حدوده توجد في الشمال، الدارالبيضاء،الرباط، ومغرب غير نافع يعاني أبناؤه التهميش والإقصاء وهو مجال مفتوح للمعاقبة وللمنفى بالنسبة للمسؤولين والأطر التي ترتكب أخطاء في تدبير الشأن السياسي في المغرب النافع، إذن هذه مفارقة يجب معالجتها أولا قبل البحث عن أسباب إستغلال هؤلاء لخطاب الإنفصال الذي أصبح يُغري الجميع ليس فقط في هذه المناطق بل في كل ربوع الصحراء، لأن المغرب تعامل مع الخطاب الإنفصالي وفق إستراتجية إغراء أعلت من قيمة هذا الخطاب ومن مكانة متبنيه.

المسألة الثانية التي ستطرح إشكالا سياسيا بالنسبة للدولة المغربية في ما هي مقدمة عليه في التقسيم الجهوي الجديد هو معادلة الإنسان الصحراوي والأرض المتنازع عليها، صحيح أن الإقليم المتنازع عليه دوليا محدد جغرافيا لكن هناك امتداد للإنسان الصحراوي خارج مناطق النزاع، هناك علاقات قبلية معقدة و متشابكة، هناك ثقافة وعادات وتقاليد واحدة وأي مباردة سيستفيد منها الإقليم المتنازع عليه وحده بشكل تفضيلي نظرا للضغط الدولي سيدخل الأقاليم الأخرى في أشكال احتجاجية كانت أهم تمظهراتها في مخيم اكديم إزيك الذي قادته قبائل تنتمي في نظر البعض إلى شمال المغرب مما سيطرح مستقبلا إشكالا عويصا إمتداداته الخلفية توجد في كل مناطق الصحراء حتى غير المتنازع عليها.

والأكيد أن في امحاميد الغزلان وغيرها قبائل لها امتداد صحراوي استغلت المعطى الإنفصالي لتحقيق مكاسب كان من الممكن مراعاتها من طرف المسؤلين لأنها تتعلق أساسا بمشكل التنمية و الديموقراطية.

- كيف تفسرون تحركات بعض المتهورين بإقليم زاكورة الذين يجرحون مشاعر المواطنين بحمل أعلام الجمهورية الوهمية وكتابة شعارات استفزازية؟ وما سبب هذه السلوكات، وهل يمكن أن تكون وراءها جهات خارجية في نظركم؟

الجهات الخارجية المتحدث عنها في كل احتجاج في المناطق التي لها حساسية سياسية موجودة وقد سبق أن ألصق البعض تهمة تكوين مخيم اكديم إزيك إلى هذه الجهات والحقيقة أن المسؤول الحقيقي عن هذه الأخطاء والاحتجاجات هو التدبير السيء لملف الصحراء ولمشاكل تنموية المسؤول عنها هم القائمون على الشأن المحلي للإقليم وخارجه، النخب في الصحراء نخب اغتنت على حساب أغلبية من المواطنين وأرقام الميزانيات التي أفرغت في الصحراء تخيف السامعين، لكن الواقع يفند كل هذه الأرقام ولم يمنع الاحتجاج.

في محاميد الغزلان هناك محاكاة لما وقع في العيون وهذا شيء طبيعي ومفهوم مادام الخطاب الإنفصالي وابتزاز الدولة هم جزء من سياسة تراكمت منذ بداية النزاع إلى الآن، العديد من المغاربة لا يسمعون ولا يعرفون حتى أين توجد محاميد الغزلان فما بالك بالمسؤولين، المسألة تتعلق أساسا بغياب شروط التكافؤ بين مناطق المغرب وهذا سيفتح مستقبلا جبهات أخرى إذا لم تتم معالجة الأزمة في عمقها الإجتماعي والإقتصادي.

- هل يمكن أن تستغل أطراف خارجية معينة مثل هؤلاء الأشخاص في أعمال تخريبية وأهداف أخرى؟

الأجندة الخارجية موجودة دائما ولكن السؤال من يقدم مثل هذه الهدايا لأعداء المغرب؟ في الشهور الماضية أهدينا العالم مخيم بحجم دويلة، والآن نبحث عن إمكانية إستغلال مثل هذه الهفوات.

في الدول الجارة كان ولا يزال هناك غليان اجتماعي أسبابه غياب الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، إذن المعطيات مشتركة بين الدول الجارة، المشكل الذي نعاني منه نحن هو أنه يجب أن نحتاط لأن الإقليم الذي نتحدث عنه لازال قانونيا مجالا للتفاوض الدولي، وعلى المغرب ألا يفتح جبهات أخرى.

ومحاميد الغزلان تقع تحت السيادة المغربية وهي جزء من التراب المغربي لكن هناك امتداد لقبائل الصحراء في كل مكان والمعطى القبلي هو ورقة خطيرة جدا يجب قراءتها جيدا في تدبير ملف الصحراء.

- كيف يمكن إيقاف هذه السلوكات قبل أن يتم استغلالها من طرف جهات خارجية؟ وهل تعتقدون أن المقاربة الأمنية يمكن أن يُثني الأشخاص المتورطين عن التمادي في سلوكاتهم المعادية للوحدة الترابية؟

الإشكال الأول يتعلق بالتنمية بفتح أوراش كبيرة داخل هذه الأقاليم والإهتمام بشبابها وأطرها، والمسألة مشتركة بين الدولة التي تتعامل مع محيطها الجغرافي بمعادلات البعد والقرب من مراكز القرار، لم يحدث في تاريخ المغرب حسب علمنا أن كان مسؤولا حكوميا ينتمي إلى طاطا أو زاكورة أو محاميد الغزلان مع أن هذه المناطق غنية بطاقات وعقول معترف بها دوليا إلا داخل بلدها.

المسألة أيضا تتعلق بالصحراء المتنازع عليها، فبالرغم مما تمثله من أهمية إستراتجية وبشرية إلا أن أبناءها وأطرها لا يشاركون في صنع القرار السياسي، هناك نخبة في المغرب تحتكر صنع هذا القرار وتحتكر أيضا تدبير ملف الصحراء ونتائج تدبيرها ظهرت مع مخيم اكديم إزيك وفي المناطق التي نتحدث عنها حاليا وستظهر مستقبلا في إطار اللاتوازن القبلي الذي تنهجه الدولة وبعض الفاعلين السياسيين والذي بدأت بوادره تظهر مع تحركات جل قبائل الصحراء الكبرى التي شعرت بالإقصاء والمهانة.

والمقاربة الأمنية لم ولن تحل مشكلا وقد جربها المغرب مرارا، الآن هناك أجيال جديدة وثقافة جديدة يجب تدبيرها بشكل ديمقراطي يأخذ بعين الإعتبار مستقبل المغرب ومصلحته العليا ويضعها فوق حسابات بعض الأحزاب السياسية التي حولت الصحراء إلى مجال لصراع سيلقي بالمنطقة كلها في أتون الإنفصال وهو خطر لا نتمنى لمغربنا أن يقع فيه.




المصدر: زاكورة24